قال مجاهد : كانت تقلعهم من الأرض، فترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ أعناقهم، وتبين رؤوسهم من أجسادهم، وقيل : تنزع الناس من البيوت، وقيل : من قبورهم ؛ لأنهم حفروا حفائر ودخلوها ﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾ الأعجاز : جمع عجز، وهو مؤخر الشيء، والمنقعر : المنقطع المنقلع من أصله، يقال : قعرت النخلة : إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط.
شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح، وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس، وذلك أن الرّيح قلعت رؤوسهم أولاً، ثم كتّبتهم على وجوههم، وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل، وهي مؤنثة اعتباراً باللفظ، ويجوز تأنيثه اعتباراً بالمعنى، كما قال :﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ] قال المبرد : كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً، أو إلى المعنى تأنيثاً.
وقيل : إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ قد تقدّم تفسيره قريباً، وكذلك قوله :﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾.
ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود، فقال :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر ﴾ يجوز أن يكون جمع نذير، أي : كذبت بالرّسل المرسلين إليهم، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار، أي : كذبت بالإنذار الذي أنذروا به، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل ؛ لأن من كذب واحداً من الأنبياء فقد كذب سائرهم ؛ لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع ﴿ فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا واحدا نَّتَّبِعُهُ ﴾ الاستفهام للإنكار، أي : كيف نتبع بشراً كائناً من جنسنا منفرداً وحده لا متابع له على ما يدعو إليه.
قرأ الجمهور : بنصب ﴿ بشراً ﴾ على الاشتغال، أي : أنتبع بشراً واحداً.