قال :﴿وَلَقَدْ جَاء﴾ ولم يقل في غيرهم جاء لأن موسى عليه السلام ما جاءهم، كما جاء المرسلون أقوامهم، بل جاءهم حقيقة حيث كان غائباً عن القوم فقدم عليهم، ولهذا قال تعالى :﴿فَلَمَّا جَآء ءالَ لُوطٍ المرسلون﴾ [ الحجر : ٦١ ] وقوله تعالى :﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] حقيقة أيضاً لأنه جاءهم من الله من السموات بعد المعراج، كما جاء موسى قومه من الطور حقيقة.
المسألة الثالثة :
النذر إن كان المراد منها الإنذارات وهو الظاهر، فالكلام الذي جاءهم على لسان موسى ويده تلك، وإن كان المراد الرسل فهو لأن موسى وهرون عليهما السلام جاءه وكل مرسل تقدمهما جاء لأنهم كلهم قالوا ما قالا من التوحيد وعبادة الله وقوله بعد ذلك :﴿كَذَّبُواْ بئاياتنا﴾ من غير فاء تقتضي ترتب التكذيب على المجيء فيه وجهان أحدهما : أن الكلام تم عند قوله :﴿وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر﴾ وقوله :﴿كَذَّبُواْ﴾ كلام مستأنف والضمير عائد إلى كل من تقدم ذكرهم من قوم نوح إلى آل فرعون ثانيهما : أن الحكاية مسوقة على سياق ما تقدم، فكأنه قال :( فكيف كان عذابي ونذر وقد كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم )، وعلى الوجه الأول آياتنا كلها ظاهرة، وعلى الوجه الثاني المراد آياته التي كانت مع موسى عليه السلام وهي التسع في قول أكثر المفسرين، ويحتمل أن يقال : المراد أنهم كذبوا بآيات الله كلها السمعية والعقلية فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
وقوله تعالى :﴿فأخذناهم﴾ إشارة إلى أنهم كانوا كالآبقين أو إلى أنهم عاصون يقال : أخذ الأمير فلاناً إذا حبسه، وفي قوله :﴿عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ لطيفة وهي أن العزيز المراد منه الغالب لكن العزيز قد يكون ( الذي ) يغلب على العدو ويظفر به وفي الأول يكون غير متمكن من أخذه لبعده إن كان هارباً ولمنعته إن كان محارباً، فقال أحد غالب لم يكن عاجزاً وإنما كان ممهلاً.


الصفحة التالية
Icon