قالوا : وفي الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف، وقوله :﴿يُوَلُّونَ﴾ بمثابة يول هذا الدبر، ويول ذاك ويول الآخر أي كل واحد يولي دبره، وأما الفرق فنقول اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد، فقوله :﴿يُوَلُّونَ الدبر﴾ إفراده إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الجمع ولا يثبت أحد للزحف فهم كانوا في التولية كدبر واحد، وأما في قوله :﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار﴾ أي كل واحد يوجد به ينبغي أن يثبت ولا يولي دبره، فليس المنهي هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهي أن يولي واحد منهم دبره، فكل أحد منهي عن تولية دبره، فجعل كل واحد برأسه في الخطاب ثم جمع الفعل بقوله :﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ﴾ ولا يتم إلا بقوله :﴿الأدبار﴾ وكذلك في قوله :﴿وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله﴾ [ لأحزاب : ١٥ ] أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أولي دبري، وأما في قوله :﴿لَيُوَلُّنَّ الأدبار﴾ [ الحشر : ١٢ ] فإن المراد المنافقون الذين وعدوا اليهود وهم متفرقون بدليل قوله تعالى :﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى﴾ [ الحشر : ١٤ ]، وأما في هذا الموضع فهم كانوا يداً واحدة على من سواهم.
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦)
إشارة إلى أن الأمر غير مقتصر على انهزامهم وإدبارهم بل الأمر أعظم منه فإن الساعة موعدهم فإنه ذكر ما يصيبهم في الدنيا من الدبر، ثم بين ما هو منه على طريقة الإصرار، هذا قول أكثر المفسرين، والظاهر أن الإنذار بالساعة عام لكل من تقدم، كأنه قال : أهلكنا الذين كفروا من قبلك وأصروا وقوم محمد عليه السلام ليسوا بخير منهم فيصيبهم ما أصابهم إن أصروا، ثم إن عذاب الدنيا ليس لإتمام المجازاة فإتمام المجازاة بالأليم الدائم.
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon