ولما كان استثناؤهم مفهماً إنجاءهم مع التجويز لإرسال شيء عليهم غير مقيد بما ذكر، قال مستأنفاً جواباً لمن كأنه قال : ما حالهم :﴿تجيناهم﴾ أي تنجية عظيمة بالتدريج، وذكر أول الشروع لإنجاءهم فقال :﴿بسحر﴾ أي بآخر ليلة من الليالي وهي التي عذب فيها قومه، فكأنه تنكيره لأنا لا نعرف تلك الليلة بعينها، ولو قصدت سحر الليلة التي صبحت منها كان معرفة لا ينصرف، والسحر : السدس الأخير من الليل : الوقت الذي يكون فيه الإنسان لا سيما النساء والأطفال في غاية الغفلة بالاستغراق في النوم، ويفتح الله فيها أبواب السماء باذن الدعاء ليحصل منه الإجابة لأن الملوك إذا فتحوا أبوابهم كان ذلك إذناً للناس في الدخول لقضاء الحوائج، فالنزول وفتح الأبواب كناية عن ذلك - والله سبحانه وتعالى متعال عن حاجة إلى نزول أو فتح باب أو غير ذلك.
ولما كان المراد من الموعظين الطاعة التي هي سبب النجاة، فلذا قال ذاكراً للإنعام معبراً عنه بغاية المقصود منه معرفاً أن انتقامه عدل ومعافاته فضل، لأن أحداً لا يقدر أن يكافئ نعمه ولا نعمة منها، معللاً للنجاة :﴿نعمة من عندنا﴾ أي عظيمة غريبة جداً لشكرهم، ولما كان كأنه قيل : هل هذا مختص بهم.
الإنجاء من بين الظالمين وهو مختص بهم، أجاب بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الإنجاء العظيم الذي جعلنا جزاء لهم ﴿نجزي﴾ بقدرتنا وعظمتنا ﴿من شكر﴾ أي أوقع الشكر بجميع أنواعه فآمن وأطاع ليس.
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كائناً من كان من سوقة أو سلطان جائر شجاع أو جبان، فاننا عليه بالإنجاء بعد هلاك عدوه، قال القشيري : والشكر على نعم الدفع أتم من الشكر على نعم النفع، ولا يعرف ذلك إلا كل موفق كيس فالآية من الاحتباك : ذكر الإنعام أولاً - لأنه السبب الحقيقي - دليلاً على حذفه ثانياً، والشكر ثانياً - لأنه السبب الظاهر - دليلاً على حذفه أولاً.
ولما كان التقدير دفعاً لعناد.


الصفحة التالية
Icon