استشراف السامع إلى ما كان من حاله ـ ﷺ ـ معهم قبل العذاب : لقد بالغ في شكرنا بوعظهم ونصحهم ودعائهم إلنيا صرفاً لما أنعمنا به عليه من الرسالة في أتم مواضعه، عطف عليه إيماء إليه قوله، مؤكداً لأن تمادي المحذور من العذاب على الإقامة في موجبه يكاد أن لا يصدق :﴿ولقد أنذرهم﴾ أي رسولنا لوط عليه السلام ﴿بطشتنا﴾ أي أخذتنا لهم المقرونة بشدة ما لنا من العظمة، ووحد إشارة إلى أنه لا يستهان بشيء من عذابه سبحانه بل الأخذة الواحدة كافية لما لنا من العظمة فهي غير محتاجة إلى التثنية، ودل على أن إنذاره كان جديراً بالقبول لكونه واضح الحقيقة بما سبب عن ذلك من قوله :﴿فتماروا﴾ أي تكلفوا الشك الواهي ﴿بالنذر﴾ أي الإنذار مصدراً والإنذارات أو المنذرين حتى أداهم إلى التكذيب، فكان سبباً للأخذ.
ولما كان ترك الاحتياط في إعمال الحيلة في وجه الخلاص من إنذار النذير عظيم العرافة في السفه دل على أنهم تجاوزوا ذلك إلى انتهاك حرمة النذير، فقال مقسماً لأن مثل ذلك لا يكاد يقع فلا يصدق من حكاه :﴿ولقد راودوه﴾ أي زادوا في التكذيب الموجب للتعذيب أن عالجوا معالجة طويلة تحتاج إلى فتل ودوران ﴿عن ضيفه﴾ ليسلمهم إليهم وهم ملائكة في هيئة شباب مرد، وأفردوا وإن كان المراد الجنس استعظاماً لذلك لو كان الضيف واحداً ﴿فطمسنا﴾ أي فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا ﴿أعينهم﴾ فسويناها مع سائر الوجوه فصارت بحيث لا يرى لها شق، قال البغوي : هذا قول أكثر المفسرين، وذلك بصفقة صفقها لهم جبريل عليه الصلاة والسلام، وقال القشيري : مسح بجناحيه على وجوههم فعموا ولم يهتدوا للخروج، وقال ابن جرير : والعرب تقول : طمست الريح الأعلام - إذا دفنتها بما يسفي عليها من التراب.


الصفحة التالية
Icon