ما معنى القدر ؟ قلنا : فيه وجوه أحدها : المقدار كما قال تعالى :﴿وَكُلُّ شَىْء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [ الرعد : ٨ ] وعلى هذا فكل شيء مقدر في ذاته وفي صفاته، أما المقدر في الذات فالجسم وذلك ظاهر فيه وكذلك القائم بالجسم من المحسوسات كالبياض والسواد، وأما الجوهر الفرد مالا مقدار له والقائم بالجوهر مالا مقدار له بمعنى الامتداد كالعلم والجهل وغيرهما، فنقول : ههنا مقادير لا بمعنى الامتداد، أما الجواهر الفرد فإن الإثنين منه أصغر من الثلاثة، ولولا أن حجماً يزداد به الامتداد، وإلا لما حصل دون الامتداد فيه، وأما القائم بالجوهر فله نهاية وبداية، فمقدار العلوم الحادثة والقدر المخلوقة متناهية، وأما الصفة فلأن لكل شيء ابتدىء زماناً فله مقدار في البقاء لكون كل شيء حادثاً، فإن قيل : الله تعالى وصف به، ولا مقدار له ولا ابتداء لوجوده، نقول : المتكلم إذا كان موصوفاً بصفة أو مسمى باسم، ثم ذكر الأشياء المسماة بذلك الاسم أو الأشياء الموصوفة بتلك الصفة، وأسند فعلاً من أفعاله إليه يخرج هو عنه، كما يقول القائل : رأيت جميع من في هذا البيت فرأيتهم كلهم أكرمني، ويقول ما في البيت أحد إلا وضربني أو ضربته يخرج هو عنه لا لعدم كونه مقتضى الاسم، بل بما في التركيب من الدليل على خروجه عن الإرادة، فكذلك قوله :﴿خلقناه﴾ و ﴿خالق كُلّ شَىْء﴾ [ الزمر : ٦٢ ] يخرج عنه لا بطريق التخصيص، بل بطريق الحقيقة إذا قلنا : إن التركيب وضعي، فإن هذا التركيب لم يوضع حينئذ إلا لغير المتكلم ثانيها : القدر التقدير، قال الله تعالى :﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون﴾ [ المرسلات : ٢٣ ] وقال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon