وقد قدر الرحمن ما هو قادر.. أي قدر ما هو مقدر، وعلى هذا فالمعنى أن الله تعالى لم يخلق شيئاً من غير تقدير، كما يرمي الرامي السهم فيقع في موضع لم يكن قد قدره، بل خلق الله كما قدر بخلاف قول الفلاسفة إنه فاعل لذاته والاختلاف للقوابل، فالذي جاء قصيراً أو صغيراً فلاستعداد مادته، والذي جاء طويلاً أو كبيراً فلاستعداد آخر، فقال تعالى :﴿كُلَّ شَىْء خلقناه بِقَدَرٍ﴾ منا فالصغير جاز أن يكون كبيراً، والكبير جاز خلقه صغيراً ثالثها :﴿بِقَدَرٍ﴾ هو ما يقال مع القضاء، يقال بقضاء الله وقدره، وقالت الفلاسفة في القدر الذي مع القضاء : إن ما يقصد إليه فقضاء وما يلزمه فقدر، فيقولون : خلق النار حارة بقضاء وهو مقضي به لأنها ينبغي أن تكون كذلك، لكن من لوازمها أنها إذا تعلقت بقطن عجوز أو وقعت في قصب صعلوك تخرقه، فهو بقدر لا بقضاء، وهو كلام فاسد، بل القضاء ما في العلم والقدر ما في الإرادة فقوله :﴿كُلَّ شَىْء خلقناه بِقَدَرٍ﴾ أي بقدره مع إرادته، لا على ما يقولون إنه موجب رداً على المشركين.
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)