أي إلا كلمة واحدة، وهو قوله له :( كن ) هذا هو المشهور الظاهر، وعلى هذا فالله إذا أراد شيئاً قال له :( كن ) فهناك شيئان : الإرادة والقول، فالإرادة والقول، فالإرادة قدر، والقول قضاء، وقوله :﴿واحدة﴾ يحتمل أمرين أحدهما : بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول إشارة إلى نفاذ الأمر ثانيهما : بيان عدم اختلاف الحال، فأمره عند خلق العرش العظيم كأمره عند خلق النمل الصغير، فأمره عند الكل واحد وقوله :﴿كَلَمْحٍ بالبصر﴾ تشبيه الكون لا تشبيه الأمر، فكأنه قال : أمرنا واحدة، فإذن المأمور كائن كلمح بالبصر، لأنه لو كان راجعاً إلى الأمر لا يكون ذلك صفة مدح يليق به، فإن كلمة ( كن ) شيء أيضاً يوجد كلمح بالبصر هذا هو التفسير الظاهر المشهور، وفيه وجه ظاهر ذهب إليه الحكماء، وهي أن مقدورات الله تعالى هي الممكنات يوجدها بقدرته، وفي عدمها خلاف لا يليق بيانه بهذا الموضع لطوله لا لسبب غيره، ثم إن الممكنات التي يوجدها الله تعالى قسمان أحدهما : أمور لها أجزاء ملتئمة عند التئامها يتم وجودها، كالإنسان والحيوان والأجسام النباتية والمعدنية وكذلك الأركان الأربعة، والسموات، وسائر الأجسام وسائر ما يقوم بالأجسام من الأعراض، فهي كلها مقدرة له وحوادث، فإن أجزاءها توجد أولاً، ثم يوجد فيها التركيب والالتئام بعينها، ففيها تقديرات نظراً إلى الأجزاء والتركيب والأعراض وثانيهما : أمور ليس لها أجزاء ومفاصل ومقادير امتدادية، وهي الأرواح الشريفة المنورة للأجسام، وقد أثبتها جميع الفلاسفة إلا قليلاً منهم، ووافقهم جمع من المتكلمين، وقطع بها كثير ممن له قلب من أصحاب الرياضات وأرباب المجاهدات، فتلك الأمور وجودها واحد ليس يوجد أولاً أجزاء، وثانياً تتحقق تلك الأجزاء بخلاف الأجسام والأعراض القائمة بها، إذا عرفت هذا قالوا : الأجسام خلقية قدرية، والأرواح إبداعية أمرية، وقالوا إليه الإشارة بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon