وهما يلتقيان بالمقاربة، لا بالممازجة، فبينهما حاجز يمنعهما من الانحراق «١» ويصدّهما عن الاختلاط.
ومعنى قوله تعالى : لا يَبْغِيانِ أي لا يغلب أحدهما على الآخر، فيقلبه إلى صفته، إمّا الملح على العذب، أو العذب على الملح. وكنى تعالى بلفظ البغي عن غلبة أحدهما على صاحبه. لأن الباغي فى الشاهد اسم لمن تغلّب من طريق الظلم بالقوة والبسطة، والتطاول والسطوة.
وقد مضى الكلام على مثل هذه الاستعارة فيما تقدم. إلّا أن فيها هاهنا زيادة أوجبت إعادة ذكرها.
[سورة الرحمن (٥٥) : آية ٢٧]
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)
وقوله سبحانه : وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [٢٢] وهذه استعارة. وقد تقدم الكلام على نظيرها. والمراد : وتبقى ذات ربّك وحقيقته.
ولو كان الكلام محمولا على ظاهره لكان فاسدا مستحيلا على قولنا وقول المخالفين.
لأنه لا أحد يقول من المشبّهة والمجسّمة، الذين يثبتون للّه سبحانه أبعاضا مؤلفة «٢»، وأعضاء مصرّفة إنّ وجه اللّه سبحانه يبقى، وسائره يبطل ويفنى. تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
ومن الدليل على أن المراد بوجه اللّه هاهنا ذات اللّه قوله سبحانه : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ألا ترى أنه سبحانه لما قال فى خاتمة هذه السورة : تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ قال :
ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [٧٨] ولم يقل (ذو) لأن اسم اللّه غير اللّه، ووجه

(١) هكذا بالأصل ولعلها الانجراف أو الإغراق.
(٢) فى الأصل «و مؤلفة» بواو قبل الصفة. وهى زائدة من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon