فيه، هذا فإن قيل من أين عرف هذا الأوربيون حتى اخترعوا الغيوم من الدّخان وغيره بحيث يمتنعون عن الرّؤية في البر والبحر والسّماء ؟
فالجواب أنهم عرفوه لأنه من لوازم الحياة الدّنيا، وكلّ ما هو من هذا القبيل قد يطلعهم اللّه عليه.
قال تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) الآية ٨ من
سورة الرّوم في ج ٢ وعند ما يفعل اللّه ذلك بكم أيها الثقلان "فَلا تَنْتَصِرانِ" (٣٥) منه إذ لا يقدر على دفعه عنكم إلّا الذي أرسله عليكم "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ" (٣٧) حمراء مذابة كدر، رديء الزّيت قال تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) الآية ٩ من سورة المعارج في ج ٢ والمهل هو النّحاس المذاب "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ٣٨ فَيَوْمَئِذٍ" حين يضيق عليكم في ذلك اليوم العظيم، فلا تقدرون على الهرب، ويرسل عليكم لهب النّار ودخلنها وتنهار السّماء "لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ" (٣٩) لأن في هذا الموطن تخرس الألسن وتنطق الجوارح بما فعلت وتنشر الصّحف بما كان من الخلائق، وقد علم اللّه كلّ ذلك وأعلمه لخلقه ويشتد اهول لما يرى النّاس من قبائح أعمالهم وما يرون من أهوال العذاب الكائن للمجرمين، وهذا لاينافي قوله تعالى (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية ٩٢ من سورة الحجر في ج ٢ لأن أحوال القيامة مختلفة، فمرة يسأل فيها النّاس عن أعمالهم، وأخرى يتخاصمون بينهم، وتارة يمنعون من الكلام، وأخرى يسكتون، وطورا تسأل أعضاؤهم وتارة تنطق بنفسها، فهو يوم شديد يشيب منه الوليد وترتعد لهوله الفرائض