أي نعمة عظيمة في اللؤلؤ والمرجان حتى يذكرهما الله مع نعمة تعلم القرآن وخلق الإنسان ؟ وفي الجواب قولان : الأول : أن نقول : النعم منها خلق الضروريات كالأرض التي هي مكاننا ولولا الأرض لما أمكن وجود التمكين وكذلك الرزق الذي به البقاء ومنها خلق المحتاج إليه وإن لم يكن ضرورياً كأنواع الحبوب وإجراء الشمس والقمر، ومنها النافع وإن لم يكن محتاجاً إليه كأنواع الفواكه وخلق البحار من ذلك، كما قال تعالى :﴿والفلك التى تَجْرِى فِي البحر بِمَا يَنفَعُ الناس﴾ [ البقرة : ١٦٤ ] ومنها الزينة وإن لم يكن نافعاً كاللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى :
﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [ فاطر : ١٢ ] فالله تعالى ذكر أنواع النعم الأربعة التي تتعلق بالقوى الجسمانية وصدرها بالقوة العظيمة التي هي الروح وهي العلم بقوله :﴿عَلَّمَ القرءان﴾ [ الرحمن : ٢ ] والثاني : أن نقول : هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم، والنعم قد تقدم ذكرها هنا، وذلك لأن خلق الإنسان من صلصال، وخلق الجان من نار، من باب العجائب لا من باب النعم، ولو خلق الله الإنسان من أي شيء خلقه لكان إنعاماً، إذا عرفت هذا فنقول : الأركان أربعة، التراب والماء والهواء والنار فالله تعالى بين بقوله :﴿خَلَقَ الإنسان مِن صلصال﴾ [ الرحمن : ١٤ ] أن الإنسان خلقه من تراب وطين وبين بقوله :﴿خَلَقَ الجان مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ﴾ [ الرحمن : ١٥ ] أن النار أيضاً أصل لمخلوق عجيب، وبين بقوله :﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ أن الماء أصل لمخلوق آخر، كالحيوان عجيب، بقي الهواء لكنه غير محسوس، فلم يذكر أنه أصل مخلوق بل بين كونه منشأ للجواري في البحر كالأعلام.
فقال :﴿ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤)﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ٨٦ ـ ٩١﴾


الصفحة التالية
Icon