الأول : ما الحكمة في تعريفه عما يرجع إلى الله تعالى حيث قال هما :﴿بِحُسْبَانٍ﴾ ولم يقل : حركهما الله بحسبان أو سخرهما أو أجراهما كما قال :﴿خَلَقَ الإنسان﴾ [ الرحمن : ٣ ] وقال :﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ [ الرحمن : ٤ ] نقول : فيه حكم منها أن يكون إشارة إلى أن خلق الإنسان وتعليمه البيان أتم وأعظم من خلق المنافع له من الرزق وغيره، حيث صرح هناك بأنه فاعله وصانعه ولم يصرح هنا، ومنها أن قوله :﴿الشمس والقمر﴾ ههنا بمثل هذا في العظم يقول القائل : إني أعطيتك الألوف والمئات مراراً وحصل لك الآحاد والعشرات كثيراً وما شكرت، ويكون معناه حصل لك مني ومن عطائي لكنه يخصص التصريح بالعطاء عند الكثير، ومنها أنه لما بينا أن قوله :﴿الشمس والقمر﴾ إشارة إلى دليل عقلي مؤكد السمعي ولم يقل : فعلت صريحاً إشارة إلى أنه معقول إذا نظرت إليه عرفت أنه مني واعترفت به، وأما السمعي فصرح بما يرجع إليه من الفعل الثاني : على أي وجه تعلق الباء من ﴿بِحُسْبَانٍ﴾، نقول : هو بين من تفسيره والتفسير أيضاً مر بيانه وخرج من وجه آخر، فنقول : في الحسبان وجهان الأول : المشهور أن المراد الحساب يقال : حسب حساباً وحسباناً، وعلى هذا فالباء للمصالحة تقول : قدمت بخير أي مع خير ومقروناً بخير فكذلك الشمس والقمر يجريان ومعهما حسابهما ومثله :﴿إِنَّا كُلَّ شَىْء خلقناه بِقَدَرٍ﴾ [ القمر : ٤٩ ]، ﴿وَكُلُّ شَىْء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [ الرعد : ٨ ] ويحتمل أن تكون للاستعانة كما في قولك : بعون الله غلبت، وبتوفيق الله حجت، فكذلك يجريان بحسبان من الله والوجه الثاني : أن الحسبان هو الفلك تشبيهاً له بحسبان الرحا وهو ما يدور فيدير الحجر، وعلى هذا فهو للاستعانة كما يقال : في الآلات كتبت بالقلم فهما يدوران بالفلك وهو كقوله تعالى :﴿وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [ ياس : ٤٠ ]، الثالث : على الوجه المشهور هل كل واحد يجري بحسبان أو كلاهما


الصفحة التالية
Icon