السادسة : فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه أن يقصد أعلم مَن في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه ؛ لقوله تعالى :﴿فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل : ٤٣، الأنبياء : ٧]، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. وعلى العالم أيضاً فرض أن يقلد عالماً مثله في نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر، وأراد أن يجدّد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب، فضاق الوقت عن ذلك، وخاف على العبادة أن تفوت، أو على الحكم أن يذهب، سواء كان ذلك المجتهد الآخر صحابياً أو غيره ؛ وإليه ذهب القاضي أبو بكر وجماعة من المحققين.
السابعة : قال ابن عطية : أجمعت الأمة على إبطال التقليد في العقائد. وذكر فيه غيره خلافاً كالقاضي أبي بكر بن العربي وأبي عمرو عثمان بن عيسى بن درباس الشافعي. قال ابن درباس في كتاب " الانتصار" له : وقال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد ؛ وهو خطأ لقوله تعالى :﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾ [الزخرف، ٢٢]. فذمّهم بتقليدهم آباءهم وتركهم اتباع الرسل ؛ كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع محمد ـ ﷺ ـ في دينه ؛ ولأنه فرض على كل مكلّف تعلُّم أمر التوحيد والقطع به ؛ وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسُّنة، كما بيّناه في آية التوحيد، والله يهدي من يريد.