فالحق سبحانه لا يفاجئ الإنسان بتكليف إلا بعد أن يعده إعدادا كاملا، لأنه لو كلفه قبل أن ينضج غريزيا، قبل أن تصبه القدرة على استبقاء النوع، لقال الإنسان : إن الله كلفني قبل أن يوجد في ذلك، عندئذ لا يكون التعاقد الإيماني صحيحا. ولذلك يؤخر الحق تكليفه لعباده حتى يكتمل لهم نضج العقل ونضج الغريزة معا، وحتى يدخل الإنسان في التكليف بكل مقوماته، وبكل غرائزه، وانفعالاته ؛ حتى إذا تعاقد إيمانيا ؛ فإن عليه أن يلتزم بتعاقده. إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يربي في الإنسان ذاتيته من فور أن يصبح صالحا لاستبقاء النوع من غيره، ومادامت قد أصبحت له ذاتية متكاملة، فالحق يريد أن ينهي عنه التبعية لغيره، عند ذلك لا يقولن أحد :" افعل مثل فعل أبي". لكن هناك من قالوا :" نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"، لماذا يتبعون آباءهم في المنهج الباطل، ولا يتبعونهم في باقي أمور الدنيا، وفي الملابس، وفي الأكل، وفي كل مناحي الحياة ؟.
إذن فلا شيء قد جعلهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم إلا لأنهم وجدوا فيه ما يوافق هواهم، بدليل أنهم اسنلخوا عن تبعيتهم لآبائهم في أشياء رأوها في سلوك الآباء وخالفوهم فيها، وماداموا قد خالفوهم في أشياء كثيرة ؛ فلماذا يتبعونهم في الدين الزائف ؟. إن الله يريد أن يخلص الإنسان من إسار هذا الاتباع، ويلفت العباد. تعقلوا يا من أصبحت لكم ذاتية، وليعلم كل منكم أنه بنضج العقل يجب أن يصل إلى الهداية إلى الخالق الواحد الأحد، فإن كنت قد التحمت بأبيك في أول الأمر لأنه يعولك ويمدك، فهذا الأب هو مجرد سبب أراده الله لك، ولكن الله هو خالقك، وهو الذي أنزل المنهج الذي يجب أن تلتحم به لتصير حياتك إلى نماء وخير. وهو سبحانه يقول :
وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً
(من الآية ٣٣ سورة لقمان)