إن الحق سبحانه وتعالى يفصل لنا هذا الأمر بدقة، فإذا كان الآباء لا يعقلون ؛ فماذا عن موقف الأبناء ؟. إن على الأبناء أن يصلحوا أنفسهم بمنهج الحق. وقد وردت في سورة المائدة آية أخرى بالمعنى نفسه ولكن بخلاف في اللفظ، فهنا في سورة البقرة يقول الحق :" وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله". وفي آية سورة المائدة يقول الحق :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٠٤)
(من الآية ١٠٤ سورة المائدة)
وبين الآيتين اتفاق واختلاف، فقوله الحق هنا :" اتبعوا ما أنزل الله" وهي تعني أن نمعن النظر وأن نطبق منهج الله. وآية سورة المائدة " تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول" هذا هو الخلاف الأول. والخلاف الثاني في الآيتين هو في جوابهم على كلام الحق، ففي هذه السورة ـ سورة البقرة ـ قالوا :" بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" وهذا القول فيه مؤاخذة لهم. لكنهم في سورة المائدة قالوا :" حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا"، وهذه تعني أنهم اكتفوا بما عندهم ؛ ونفوا اتباع منهج السماء، وهذا الموقف أقوى وأشد نفيا، لذلك نجد أن الحق لم يخاطبهم في هذه الآية بـ" اتبعوا" بل قال لهم :" تعالوا" أي ارتفعوا من حضيض ما عندكم إلى الإيمان بمنهج السماء. ومادمتم قد قلتم : حسبنا بملء الفم ؛ فهذا يعني أنكم اكتفيتم بما أنتم عليه. وكلمة " حسبنا" فيها بحث لطيف ؛ لأن من يقول هذه الكلمة قد حسب كلامه واكتفى، وكلمة الحساب تدل على الدقة، والحساب يفيد العدد والأرقام. فقولهم :" حسبنا" تعني أنهم حسبوا الأمر واكتفوا به ونجد كل ورود لهذه الكلمة في القرآن يفيد أنها مرة تأتي لحساب الرقم المادي، ومرة تأتي لحساب الإدراك الظني.


الصفحة التالية
Icon