الثاني :﴿فِيهِنَّ﴾ الضمير عائد إلى ماذا ؟ نقول : فيه ثلاثة أوجه أحدها : إلى الآلاء والنعم أي قاصرات الطرف ثانيها : إلى الفراش أي في الفرش قاصرات وهما ضعيفان، أما الأول فلأن اختصاص القاصرات بكونهن في الآلاء مع أن الجنتين في الآلاء والعينين فيهما والفواكه كذلك لا يبقى له فائدة، وأما الثاني فلأن الفرش جعلها ظرفهم حيث قال :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ﴾ [ الرحمن : ٥٤ ] وأعاد الضمير إليها بقوله :﴿بَطَائِنُهَا﴾ [ الرحمن : ٥٤ ] ولم يقل : بطائنهن، فقوله ﴿فِيهِنَّ﴾ يكون تفسيراً للضمير فيحتاج إلى بيان فائدة لأنه تعالى قال بعد هذا مرة أخرى :﴿فِيهِنَّ خيرات﴾ [ الرحمن : ٧٠ ] ولم يكن هناك ذكر الفرش فالأصح إذن هو الوجه الثالث : وهو أن الضمير عائد إلى الجنتين، وجمع الضمير ههنا وثنى في قوله :﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ﴾ [ الرحمن : ٥٠ ] و :﴿فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة﴾ [ الرحمن : ٥٢ ] وذلك لأنا بينا أن الجنة لها اعتبارات ثلاثة أحدها : اتصال أشجارها وعدم وقوع الفيافي والمهامة فيها والأراضي الغامرة، ومن هذا الوجه كأنها جنة واحدة لا يفصلها فاصل وثانيها : اشتمالها على النوعين الحاصرين للخيرات، فإن فيها ما في الدنيا، وما ليس في الدنيا وفيها ما يعرف، ومالا يعرف، وفيها ما يقدر على وصفه، وفيها مالا يقدر، وفيها لذات جسمانية ولذات غير جسمانية فلاشتمالها على النوعين كأنها جنتان وثالثها : لسعتها وكثرة أشجارها وأماكنها وأنهارها ومساكنها كأنها جنات، فهي من وجه جنة واحدة ومن وجه جنتان ومن وجه جنات.