ثم قال عز وجل :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ يعني : كل شيء على وجه الأرض يفنى ﴿ ويبقى وَجْهُ رَبّكَ ﴾ يعني : ذو الملك، والعظمة، والإكرام، ﴿ ذُو الجلال والإكرام ﴾ يعني : ذو الملك، والعظمة، والإكرام، يعني : ذو الكرم، والتجاوز، فلما نزلت هذه الآية، قالت الملائكة : هلكت بنو آدم، فلما نزل ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ﴾ أيقنوا بهلاك أنفسهم، وهذا من النعم، لأنه يحذرهم، وبين لهم ليتهيؤوا لذلك.
ثم قال :﴿ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ﴾ ومعناه إن الله تعالى يعينكم، فتوكلوا عليه، ولا تعتمدوا على الناس، لأنهم لا يقدرون على دفع الهلاك عن أنفسهم، والله هو الباقي بعد فناء الخلق، وهو الذي يتجاوز عنكم، ويعينكم، فكيف تنكرون ربكم الذي خلقكم، وأحسن إليكم؟.
قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِى السموات والأرض ﴾ يعني : الملائكة يسألون لأهل الأرض المغفرة، ويسأل أهل الأرض جميع حوائجهم من الله تعالى.
ثم قال :﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ﴾ يعني : في كل يوم يُعز، ويذل، ويحيي، ويميت، ويعطي، ويمنع.
وذلك أن اليهود قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً فنزل ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ﴾ فأخبر الله تعالى أنه يقضي في جميع الأيام، وكان هذا من النعم.
وذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي أرسل إلى محمد بن الحنفية يتوعده قال : لأفعلن بك كذا وكذا.
فأرسل إليه محمد بن الحنفية وقال : إن الله تعالى ينظر في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة إلى اللوح المحفوظ، وكل يوم يعز، ويذل، ويعطي، ويمنع، فأرجو أن يرزقني الله تعالى ببعض نظراته، أن لا يجعل لك علي سلطان.