وبهذا ينتهي الشوط الأول من السورة. ويبدأ شوط جديد يعالج قضية العقيدة كلها، متوخيا توكيد قضية البعث التي هي موضوع السورة الأول ; بلمسات مؤثرة، يأخذ مادتها وموضوعها مما يقع تحت حس البشر، في حدود المشاهدات التي لا تخلو منها تجربة إنسان، أيا كانت بيئته، ودرجة معرفته وتجربته.
يعرض نشأتهم الأولى من مني يمنى. ويعرض موتهم ونشأة آخرين مثلهم من بعدهم في مجال التدليل على النشأة الأخرى، التي لا تخرج في طبيعتها ويسرها عن النشأة الأولى، التي يعرفونها جميعا.
ويعرض صورة الحرث والزرع، وهو إنشاء للحياة في صورة من صورها. إنشاؤها بيد الله وقدرته. ولو شاء الله لم تنشأ، ولو شاء لم تؤت ثمارها.
ويعرض صورة الماء العذب الذي تنشأ به الحياة كلها. وهو معلق بقدرة الله ينزله من السحائب. ولو شاء جعله ملحا أجاجا، لا ينبت حياة، ولا يصلح لحياة.
وصورة النار التي يوقدون، وأصلها الذي تنشأ منه.. الشجر.. وعند ذكر النار يلمس وجدانهم منذرا. ويذكرهم بنار الآخرة التي يشكون فيها.
وكلها صور من مألوفات حياتهم الواقعة، يلمس بها قلوبهم، ولا يكلفهم فيها إلا اليقظة ليد الله وهي تنشئها وتعمل فيها.
كذلك يتناول هذا الشوط قضية القرآن الذي يحدثهم عن "الواقعة " فيشكون في وعيده. فيلوح بالقسم بمواقع النجوم، ويعظم من أمر هذا القسم لتوكيد أن هذا الكتاب هو قرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، وأنه تنزيل من رب العالمين.
ثم يواجههم في النهاية بمشهد الاحتضار. في لمسة عميقة مؤثرة. حين تبلغ الروح الحلقوم، ويقف صاحبها على حافة العالم الآخر ; ويقف الجميع مكتوفي الأيدي عاجزين، لا يملكون له شيئا، ولا يدرون ما يجري حوله، ولا ما يجري في كيانه. ويخلص أمره كله لله، قبل أن يفارق هذه الحياة. ويرى هو طريقه المقبل، حين لا يملك أن يقول شيئا عما يرى ولا أن يشير !
ثم تختم السورة بتوكيد الخبر الصادق، وتسبيح الله الخالق:(إن هذا لهو حق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم).. فيلتئم المطلع والختام أكمل التئام.. أ هـ ﴿الظلال حـ ٦ صـ ٣٤٦١ ـ ٣٤٦٢﴾