سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار". والواقع أن الجسم الإنسانى، على روعة، إبداعه له عوارض محرجة ومزعجة، وما يتم النعيم إلا بتعديل أجهزته على نحو أسمى وأنظف وأقوى وأجمل. وربما كان خلقه على ما نحس بعض الامتحان الذى فرض علينا فى هذه الدنيا.
ولا توجد فى القرآن سورة تستوعب كل الأجزية الحسنة المعدة للمتقين، وإنما تعرض مناظر، أو تلتقط صور لجوانب من النعيم تناسب كل سورة، وتشرح صدور القارئين بما تثير من أشواق وتفتح من آمال. وفى هذه السورة رأينا لونا من النعم المعد للسابقين ولأصحاب اليمين، وهم أكثر عددا من الصنف الأول " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ". ولبيان بعض الكلمات التى وردت فى ثوابهم، تظهر صنوف النعيم. فالسدر شجر يثمر النبق! وينبت مع كثرة الماء، ولعل ذلك سر نفاسته فى الصحراء، مع نكهته اللطيفة، ويصحبه دائما شوك قد يخدش لكنه فى الجنة مخضود لا شوك فيه! أما الطلح المنضود، فهو الموز المنسق المركوم فى نظام، وقيل ثمر يعرفه أهل الغرب وغيرهم، والظل الممدود، هو الذى لا يتقلص مع وقدة الشمس " أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا ". والماء المسكوب ما يجرى تحت القصور فى الجنة أو ما تدفعه النافورات إلى أعلى. ولما كانت الفواكه فى الأرض موسمية تظهر فى بعض الشهور وتختفى بقية العام، وصفت فاكهة الجنة بأنها " لا مقطوعة ولا ممنوعة ". والعروب المرأة المتوددة إلى زوجها المقبلة عليه! والجمع عرب. وسواء كن من نساء الدنيا بعد صياغتهن الجديدة أو من الحور المنشآت لأهل الجنة، فهن متقاربات الأعمار، وذاك معنى قوله تعالى " عربا أترابا * لأصحاب اليمين ". والكلام كله ـ فيما نرى ـ من البشريات لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. فالسابقون قلة من المعاصرين، ولكنهم ثلة من الأخلاف كبيرة.. ويجوز غير ذلك. " ثم ينتقل السياق إلى أصحاب المشأمة، أو أصحاب الشمال، وهم جمهور الملاحدة والفسقة والمكذبين ممن شاقوا الرسل،