وبم استحق أصحاب الشمال هذا العذاب؟ لأنهم لم يتقوه فى الدنيا بعمل صالح، بل هم لم يؤمنوا به أصلا، وكانت معيشتهم على ظهر الأرض تشبعا من اللذات المتاحة أو جريا وراءها سواء وجدت أم لم توجد. وقد وصف الله سبحانه معيشة الكافر فى الدنيا، وانحصاره فيها وحدها، فقال "إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور"، يرجع إلى ربه " بلى إن ربه كان به بصيرا". والكافرون يبنون حياتهم على ألا بعث! وهذا الفكر يكاد يطوى الآن المشارق والمغارب، وهو أساس الإيغال فى المعاصى والانكباب عليها دون شعور بقبحها أو ندم على اقترافها.. وذلك هو الحنث العظيم، أى المعصية الفادحة التى عناها النظم الكريم فى الآيات " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين * وكانوا يصرون على الحنث العظيم * وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون * أوآباؤنا الأولون * قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ". ويعود الكلام مرة أخرى إلى وصف ما يلاقيه الملاحدة من عذاب " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم ". والزقوم طعام مرير قبيح - أعاذنا الله منه - إذا أكله صاحبه اهتاج إلى طلب الماء فلم يجد إلا ماء يغلى "وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم". ومع أثره الفظيع فإن أكل الزقوم يتطلب المزيد من الشراب لما يحسه من عطش! فهو كالبعير الأهيم المصاب فى أمعائه بحمى تحمله على طلب الماء بنهم لا ينقضى. وقد وصف أهل النار بأنهم يملئون بطونهم من الزقوم ثم يبحثون عن الماء بحث الإبل الهيم عما يرويها، وهيهات "هذا نزلهم يوم الدين ". وصور الثواب والعقاب كلها سيقت للترغيب والترهيب، ودعم تربية سليمة، لاسيما فى هذا العصر الذى تضافر فيه العلم والفن والإعلام الهازل والجاد على تجهيل الناس بالآخرة، وصرفهم عن العمل لها. وإيقاظ مشاعر الرغبة والرهبة لا يكفى! بل لابد من إيقاظ العقل الإنسانى ليفكر ويصدق ويتصرف بروية. الدليل الرابع الذى ورد فى


الصفحة التالية
Icon