فيه أيضاً وجوه الأول : مسكوب من فوق، وذلك لأن العرب أكثر ما يكون عندهم الآبار والبرك فلا سكب للماء عندهم بخلاف المواضع التي فيها العيون النابعة من الجبال الحاكمة على الأرض تسكب عليها الثاني : جار في غير أخدود، لأن الماء المسكوب يكون جارياً في الهواء ولا نهر هناك، كذلك الماء في الجنة الثالث : كثير وذلك الماء عند العرب عزيز لا يسكب، بل يحفظ ويشرب، فإذا ذكروا النعم يعدون كثرة الماء ويعبرون عن كثرتها بإراقتها وسكبها، والأول أصح.
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)
لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها ذكر بعدها الأشجار التي يقصد ثمرها، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ما الحكمة في تقديم الأشجار المورقة على غير المورقة ؟ نقول : هي ظاهرة، وهو أنه قدم الورق على الشجر على طريقة الارتقاء من نعمة إلى ذكر نعمة فوقها، والفواكه أتم نعمة.
المسألة الثانية :
ما الحكمة في ذكر الأشجار المورقة بأنفسها، وذكر أشجار الفواكه بثمارها ؟ نقول : هي أيضاً ظاهرة، فإن الأوراق حسنها عند كونها على الشجر، وأما الثمار فهي في أنفسها مطلوبة سواء كانت عليها أو مقطوعة، ولهذا صارت الفواكه لها أسماء بها تعرف أشجارها، فيقال : شجر التين وورقه.
المسألة الثالثة :
ما الحكمة في وصف الفاكهة بالكثرة، لا بالطيب واللذة ؟ نقول : قد بينا في سورة الرحمن أن الفاكهة فاعلة كالراضية في قوله :﴿فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [ الحاقة : ٢١ ] أي ذات فكهة، وهي لا تكون بالطبيعة إلا بالطيب واللذة، وأما الكثرة، فبينا أن الله تعالى حيث ذكر الفاكهة ذكر ما يدل على الكثرة، لأنها ليست لدفع الحاجة حتى تكون بقدر الحاجة، بل هي للتنعم، فوصفها بالكثرة والتنوع.
المسألة الرابعة :


الصفحة التالية
Icon