قوله تعالى :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس ؛ كقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ﴾ [ الفرقان : ٤٥ ] وذلك بالغداة وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس حسب ما تقدّم بيانه هناك.
والجنة كلها ظلّ لا شمس معه.
قال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش.
وقال عمرو بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة.
وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود ؛ وقال لبيد :
غَلَبَ الْعَزَاء وكنتُ غيرَ مُغَلِّبٍ...
دَهرٌ طويلٌ دائِمٌ مَمْدودُ
وفي صحيح الترمذيّ وغيره من حديث أبي هريرة عن النبيّ ﷺ :" وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم ﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ " ﴿ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ ﴾ أي جارٍ لا ينقطع وأصل السّكب الصبّ ؛ يقال : سكبه سَكْباً، والسُّكُوب انصبابه ؛ يقال : سَكَب سُكُوباً، وانسكب انسكابا ؛ أي وماء مصبوب يجري الليلَ والنهار في غير أُخدود لا ينقطع عنهم.
وكانت العرب أصحاب بادية وبلادٍ حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدَّلو والرِّشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك، ووصف لهم أسباب النزهة المعروفة في الدنيا، وهي الأشجار وظلالها، والمياه والأنهار واطرادها.
قوله تعالى :﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴾ أي ليست بالقليلة العزيزة كما كانت في بلادهم ﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ ﴾ أي في وقت من الأوقات كانقطاع فواكه الصيف في الشتاء ﴿ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ أي لا يُحظَر عليها كثمار الدنيا.
وقيل :"وَلاَ مَمْنُوعَةٍ" أي لا يُمنع من أرادها بشوك ولا بُعد ( ولا ) حائط، بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها ؛ قال الله تعالى :﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [ الإنسان : ١٤ ].
وقيل : ليست مقطوعة بالأزمان، ولا ممنوعة بالأثمان.


الصفحة التالية
Icon