ما الحكمة في الابتداء بأصحاب اليمين والانتقال إلى أصحاب الشمال ثم إلى السابقين مع أنه في البيان بين حال السابقين ثم أصحاب الشمال على الترتيب والجواب : أن نقول : ذكر الواقعة وما يكون عند وقوعها من الأمور الهائلة إنما يكون لمن لا يكون عنده من محبة الله تعالى ما يكفه مانعاً عن المعصية، وأما الذين سرهم مشغول بربهم فلا يجزنون بالعذاب، فلما ذكر تعالى :﴿إِذَا وَقَعَتِ الواقعة﴾ [ الواقعة : ١ ] وكان فيه من التخويف مالا يخفى وكان التخويف بالذين يرغبون ويرهبون بالثواب والعقاب أولى ذكر ما ذكره لقطع العذر لا نفع الخبر، وأما السابقون فهم غير محتاجين إلى ترغيب أو ترهيب فقدم سبحانه أصحاب اليمين الذين يسمعون ويرغبون ثم ذكر السابقين ليجتهد أصحاب اليمين ويقربوا من درجتهم وإن كان لا ينالها أحد إلا بجذب من الله فإن السابق يناله ما يناله بجذب، وإليه الإشارة بقوله : جذبة من جذبات الرحمن خير من عبادة سبعين سنة.
المسألة الخامسة :
ما معنى قوله :﴿مَا أصحاب الميمنة﴾ ؟ نقول : هو ضرب من البلاغة وتقريره هو أن يشرع المتكلم في بيان أمر ثم يسكت عن الكلام ويشير إلى أن السامع لا يقدر على سماعه كما يقول القائل لغيره : أخبرك بما جرى عليَّ ثم يقول هناك هو مجيباً لنفسه لا أخاف أن يحزنك وكما يقول القائل : من يعرف فلاناً فيكون أبلغ من أن يصفه، لأن السامع إذا سمع وصفه يقول : هذا نهاية ما هو عليه، فإذا قال : من يعرف فلاناً بفرض السامع من نفسه شيئاً، ثم يقول : فلان عند هذا المخبر أعظم مما فرضته وأنبه مما علمت منه.
المسألة السادسة :


الصفحة التالية
Icon