شيء آخر، وقوله :﴿مَّكْنُون﴾ رد على من قال : إنه مقروء في كتاب لكنه من أساطير الأولين.
المسألة السابعة :
﴿لاَّ يَمَسُّهُ﴾ الضمير عائد إلى الكتاب على الصحيح، ويحتمل أن يقال : هو عائد إلى ما عاد إليه المضمر من قوله :﴿إِنَّهُ﴾ ومعناه : لا يمس القرآن إلا المطهرون، والصيغة إخبار، لكن الخلاف في أنه هل هو بمعنى النهي، كما أن قوله تعالى :﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] إخبار بمعنى الأمر، فمن قال : المراد من الكتاب اللوح المحفوظ، وهو الأصح على ما بينا، قال : هو إخبار معنى كما هو إخبار لفظاً، إذا قلنا : إن المضمر في ﴿يَمَسُّهُ﴾ للكتاب، ومن قال : المراد المصحف اختلف في قوله، وفيه وجه ضعيف نقله ابن عطية أنه نهي لفظاً ومعنى وجلبت إليه ضمة الهاء لا للإعراب ولا وجه له.
المسألة الثامنة :
إذا كان الأصح أن المراد من الكتاب اللوح المحفوظ، فالصحيح أن الضمير في ﴿لاَّ يَمَسُّهُ﴾ للكتاب، فكيف يصح قول الشافعي رحمة الله تعالى عليه : لا يجوز مس المصحف للمحدث، نقول : الظاهر أنه ما أخذه من صريح الآية ولعله أخذه من السنة فإن النبي ﷺ كتب إلى عمرو بن حزم :" لا يمس القرآن من هو على غير طهر " أو أخذه من الآية على طريق الاستنباط، وقال : إن المس يطهر صفة من الصفات الدالة على التعظيم والمس بغير طهور نوع إهانة في المعنى، وذلك لأن الأضداد ينبغي أن تقابل بالأضداد، فالمس بالمطهر في مقابلة المس على غير طهر، وترك المس خروج عن كل واحدة منهما فكذلك الإكرام في مقابلة الإهانة وهناك شيء لا إكرام ولا إهانة فنقول : إن من لا يمس المصحف لا يكون مكرماً ولا مهيناً وبترك المس خرج عن الضدين ففي المس عن الطهر التعظيم، وفي المس على الحدث الإهانة فلا تجوز وهو معنى دقيق يليق بالشافعي رحمه الله ومن يقرب منه في الدرجة.


الصفحة التالية
Icon