ثم إن ههنا لطيفة فقهية لاحت لهذا الضعيف في حال تفكره في تفسير هذه الآية فأراد تقييدها هنا فإنها من فضل الله فيجب علي إكرامها بالتقييد بالكتاب، وهي أن الشافعي رحمه الله منع المحدث والجنب من مس المصحف وجعلهما غير مطهرين ثم منع الجنب عن قراءة القرآن ولم يمنع المحدث وهو استنباط منه من كلام الله تعالى، وذلك لأن الله تعالى منعه عن المسجد بصريح قوله :﴿وَلاَ جُنُباً﴾ [ النساء : ٤٣ ] فدل ذلك على أنه ليس أهلاً للذكر لأنه لو كان أهلاً للذكر لما منعه من دخول المسجد لأنه تعالى أذن لأهل الذكر في الدخول بقوله تعالى :﴿فِى بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه﴾ [ النور : ٣٦ ] الآية، والمأذون في الذكر في المسجد مأذون في دخول المسجد ضرورة فلو كان الجنب أهلاً للذكر لما كان ممنوعاً عن دخول المسجد والمكث فيه وأنه ممنوع عنهما وعن أحدهما، وأما المحدث فعلم أنه غير ممنوع عن دخول المسجد فإن من الصحابة من كان يدخل المسجد وجوز النبي ﷺ نوم القوم في المسجد وليس النوم حدثاً إذ النوم الخاص يلزمه الحكم بالحدث على اختلاف بين الأئمة ومالم يكن ممنوعاً من دخول المسجد لم يثبت كونه غير أهل للذكر فجاز له القراءة، فإن قيل : وكان ينبغي أن لا يجوز للجنب أن يسبح ويستغفر لأنه ذكر، نقول : القرآن هو الذكر المطلق قال الله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] وقال الله تعالى :﴿والقرءان ذِى الذكر﴾ [ ص : ١ ] وقوله :﴿يُذْكَرَ فِيهَا اسمه﴾ مع أنا نعلم أن المسجد يسمى مسجداً، ومسجد القوم محل السجود، والمراد منه الصلاة والذكر الواجب في الصلاة هو القرآن، فالقرآن مفهوم من قوله :﴿يُذْكَرَ فِيهَا اسمه﴾، ومن حيث المعقول هو أن غير القرآن ربما يذكر مريداً به معناه فيكون كلاماً غير ذكراً، فإن من قال : أستغفر الله أخبر عن نفسه بأمر، ومن قال : لا حول ولا قوة