قوله :﴿تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين﴾ مصدر، والقرآن الذي في كتاب ليس تنزيلاً إنما هو منزل كما قال تعالى :﴿نَزَلَ بِهِ الروح الامين﴾ [ الشعراء : ١٩٣ ] نقول : ذكر المصدر وإرادة المفعول كثير كما قلنا في قوله تعالى :﴿هذا خَلْقُ الله﴾ [ لقمان : ١١ ] فإن قيل : ما فائدة العدول عن الحقيقة إلى المجاز في هذا الموضع ؟ فنقول : التنزيل والمنزل كلاهما مفعولان ولهما تعلق بالفاعل، لكن تعلق الفاعل بالمصدر أكثر، وتعلق المفعول عبارة عن الوصف القائم به، فنقول : هذا في الكلام، فإن كلام الله أيضاً وصف قائم بالله عندنا، وإنما نقول : من حيث الصيغة واللفظ ولك أن تنظر في مثال آخر ليتيسر لك الأمر من غير غلط وخطأ في الاعتقاد، فنقول : في القدرة والمقدور تعلق القدرة بالفاعل أبلغ من تعلق المقدور، فإن القدرة في القادر والمقدور ليس فيه، فإذا قال : هذا قدرة الله تعالى كان له من العظمة مالا يكون في قوله : هذا مقدور الله، لأن عظمة الشيء بعظمة الله، فإذا جعلت الشيء قائماً بالتعظيم غير مباين عنه كان أعظم، وإذا ذكرته بلفظ يقال مثله فيما لا يقوم بالله وهو المفعول به كان دونه، فقال :﴿تَنزِيلَ﴾ ولم يقل : منزل، ثم إن ههنا : بلاغة أخرى وهي أن المفعول قد يذكر ويراد به المصدر على ضد ما ذكرنا، كما في قوله :