منه ﴿البطون﴾ أي لشيء عجيب يضطركم إلى تناول هذا الكريه مما هو أشد منه كراهة بطبقات من جوع أو غيره، وإن فسرت بما قالوا من أنه معروف لهم أنه الزبد بالتمر لم يضر ذلك بل يكون المعنى أنهم يتملؤون منها تملأ من يأكل من هذا في الدنيا مع أنه من المعلوم أنه لا شيء في النار المعدة للعذاب لمن أعدت لعذابه حسن.
ولما كان من يأكل كثيراً يعطش عطشاً شديداً فيشرب ما قدر عليه رجاء تبريد ما به من حرارة العطش، سبب عنه قوله :﴿فشاربون عليه﴾ أي على هذا المليء أو الأكل ﴿من الحميم﴾ أي الماء الذي هو في غاية الحرارة بحث ضوعف إحماؤه وإغلاؤه.
ولما كان شربهم لأدنى قطرة من ذلك في غاية العجب، أتبعه ما هو أعجب منه وهو شدة تملئهم منه فقال مسبباً عما مضى :﴿فشاربون﴾ أي منه ﴿شرب﴾ بالفتح في قراءة الجماعة وبالضم لنافع وعاصم وحمزة، وقرئ شاذاً بالكسر والثلاثة مصادر، قال في القاموس : وشرب كسمع شرباً ويثلث أ والشراب مصدر وبالضم والكسر اسمان، وبالفتح القوم : يشربون، وبالكسر : الماء والحظ منه، والمورد ووقت الشرب، والكل يصلح هنا ﴿الهيم﴾ أي الإبل العطاش لأن بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء جمع أهيم، وقال القزاز : جمع هيماء وهو أي - اليهام - بالضم : داء يصيب الإبل فتشرب ولا تروى - انتهى.
وقال : ذو الرمة :
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد...
صداها ولا يقضي عليها هيامها
ويقال : الهيم : الرمل، ينصب فيه كل ما صب عليه، والمعنى أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى الأكل ثم من العطش ما يضطرهم إلى الشرب على هذه الهيئة.


الصفحة التالية
Icon