أحدهما : أنه من الخُلد ؛ والمعنى : أنهم مخلوقون للبقاء لا يتغيَّرون، وهم على سنٍّ واحد.
قال الفراء : والعرب تقول للإنسان إِذا كَبِر ولم يَشْمَط : أو لم تذهب أسنانه عن الكِبَر : إنه لمخلَّد، هذا قول الجمهور.
والثاني : أنهم المُقَرَّطُون، ويقال : المُسَوَّرون، ذكره الفراء، وابن قتيبة، وانشدوا في ذلك :
ومُخْلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّما...
أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبانِ
قوله تعالى :﴿ بأكوابٍ وأباريقَ ﴾ الكوب : إناء لا عروة له ولا خُرطوم، وقد ذكرناه في [ الزخرف : ٧٢ ] ؛ والأباريق : آنية لها عُرىً وخراطيم ؛ وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : الإبريق : فارسيّ معرَّب، وترجمتُه من الفارسية أحدُ شيئين، إمّا أن يكون : طريقَ الماء، أو : صبَّ الماءِ على هينة، وقد تكلمتْ به العربُ قديماً، قال عديُّ بن زيد :
ودَعَا بالصَّبُوحِ يوماً فجاءتْ...
قَيْنَةٌ في يمينها إبريقُ
وباقي الآيات في [ الصافات : ٤٦ ].
قوله تعالى :﴿ لا يُصَدَّعُونَ عنها ولا يُنْزِفُونَ ﴾ فيه قولان.
أحدهما : لا يَلْحَقُهم الصُّداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا.
و"عنها" كناية عن الكأس المذكور، والمراد بها : الخمر، وهذا قول الجمهور.
والثاني : لا يتفرَّقون عنها، من قولك : صدَّعْتُه فانْصَدَع، حكاه ابن قتيبة.
ولا "يُنْزِفُونَ" مفسر في [ الصافات : ٤٧ ].
قوله تعالى :﴿ ممّا يتخيَّرون ﴾ أي : يختارون، تقول : تخيَّرتُ الشيءَ : إذا أخذتَ خيره.
قوله تعالى :﴿ ولحمِ طيرٍ ﴾ قال ابن عباس : يخطُر على قلبه الطير، فيصير ممثَّلاً بين يديه على ما اشتهى.
وقال مغيث بن سمي : تقع على أغصان شجرة طوبى طير كأمثال البُخْت، فإذا اشتهى الرجل طيراً دعاه، فيجيء حتى يقع على خوانه، فيأكل من أحد جانبيه قديداً والآخرِ شِواءً، ثم يعود طيراً فيطير فيذهب.