قال القاضي أبو محمد : ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله :﴿ إنه لقرآن كريم ﴾، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل، ومن لا يتأول بهذا التأويل يقول : إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى كقوله تعالى :﴿ حتى توارت بالحجاب ﴾ [ ص : ٣٢ ]، و﴿ كل من عليها فان ﴾ [ الرحمن : ٢٦ ] وغير ذلك. وقال جمهور كثير من المفسرين :﴿ النجوم ﴾ هنا : الكواكب المعروفة. واختلف في موقعها، فقال مجاهد وأبو عبيدة هي : مواقعها عند غروبها وطلوعها، وقال قتادة : مواقعها مواضعها من السماء، وقيل : مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت، وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة.
وقوله تعالى :﴿ وإنه لقسم ﴾ تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به، وليس هذا باعتراض بين الكلامين، بل هذا معنى قصد التهمم به، وإنما الاعتراض قوله :﴿ لو تعلمون ﴾ وقد قال قوم : إن قوله :﴿ وإنه لقسم ﴾ اعتراض، وإن ﴿ لو تعلمون ﴾ اعتراض في اعتراض، والتحرير هو الذي ذكرناه.
وقوله :﴿ إنه لقرآن ﴾ هو الذي وقع القسم عليه، ووصفه بالكرم على معنى إثبات صفات المدح له ودفع صفات الحطيطة عنه.
واختلف المتأولون في قوله تعالى :﴿ في كتاب مكنون ﴾ بعد اتفاقهم على أن المكنون : المصون، فقال ابن عباس ومجاهد : أراد الكتاب الذي في السماء.
وقال عكرمة : أراد التوراة والإنجيل، كأنه قال : إنه لكتاب كريم، ذكر كرمه وشرفه ﴿ في كتاب مكنون ﴾.
قال القاضي أبو محمد : فمعنى الآية على هذا الاستشهاد بالكتب المنزلة، وهذا كقوله عز وجل :﴿ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ﴾ [ التوبة : ٣٦ ]. وقال بعض المتأولين : أراد مصاحف المسلمين، وكانت يوم نزلت الآية لم تكن، فهي على هذا إخبار بغيب، وكذلك هو في كتاب مصون إلى يوم القيامة، ويؤيد هذا لفظة المس، فإنها تشير إلى المصاحف أو هي استعارة في مس الملائكة.