وقد سبق بيان ما لم يُذْكَر هاهنا [ هود : ١٠٣، الصافات : ٦٢، الأنعام : ٧٠ ] إلى قوله :﴿ فشاربونَ شُربَ الهِيمِ ﴾ قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة :"شُرْبَ" بضم الشين ؛ والباقون بفتحها.
قال الفراء : والعرب تقول : شَرِبْتُه شُرْباً، وأكثر أهل نجد يقولون : شَرْباً بالفتح، أنشدني عامَّتهم :
تَكْفيهِ حَزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلمَّ بها...
من الشِّواءِ ويَكْفِي شَرْبَهُ الغُمَرُ
وزعم الكسائي أن قوماً من بني سعد بن تميم يقولون :"شِرْبَ الهِيم" بالكسر.
وقال الزجاج :"الشَّرْب" المصدر، و"الشُّرْب" بالضم : الاسم، قال : وقد قيل : إنه مصدر أيضاً.
وفي "الهِيم" قولان.
أحدهما : الإبل العِطاش، رواه ابن أبي طلحة والعوفيُّ عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة.
قال ابن قتيبة : هي الإبل يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء، يقال : بعيرٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ.
والثاني : أنها الأرض الرَّملة التي لا تَرْوَى من الماء، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
قال أبو عبيدة : الهِيم : ما لا يَرْوَى من رَمْل أو بعير.
قوله تعالى :﴿ هذا نُزُلُهم ﴾ أي : رزقهم.
ورواه عباس عن أبي عمرو :"نُزْلُهم" بسكون الزاي، أي : رزقهم وطعامهم.
وفى "الدِّين" قولان قد ذكرناهما فى "الفاتحة".
قوله تعالى :﴿ نحن خَلَقْناكم ﴾ أي : أوجدناكم ولم تكونوا شيئاً، وأنتم تُقِرُّونَ بهذا ﴿ فلولا ﴾ أي : فهلاّ ﴿ تصدِّقونَ ﴾ بالبعث؟!
ثم احتجَّ على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال :﴿ أفرأيتم ما تُمْنونَ ﴾ قال الزجاج : أي : ما يكون منكم من المَنِيِّ، يقال : أمنى الرجل يُمْني، ومَنى يَمني، فيجوز على هذا "تَمْنونَ" بفتح التاء إن ثبتت به رواية.
قوله تعالى :﴿ أأنتم تَخْلُقونه أَمْ نحن الخالقون ﴾ أي : تخلُقون ما تُمنون بَشَراً؟! وفيه تنبيه على شيئين.
أحدهما : الامتنان، إذا خلق من الماء المَهين بَشَراً سوياً.


الصفحة التالية
Icon