قال القاضي أبو محمد : والقول بأن ﴿ لا يمسه ﴾ نهي قول فيه ضعف وذلك أنه إذا كان خبراً فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك :﴿ تنزيل ﴾ : صفة أيضاً، فإذا جعلناه نهياً جاء معنى أجنبياً معترضاً بين الصفات، وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره.
وفي حرف ابن مسعود :" ما يمسه " وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه : حقه وقدره أن لا يمسه إلا طاهر.
وقوله عز وجل :﴿ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ﴾ مخاطبة للكفار، و﴿ الحديث ﴾ المشار إليه هو القرآن المتضمن البعث، وإن الله تعالى خالق الكل وإن ابن آدم مصرف بقدره وقضائه وغير ذلك و: ﴿ مدهنون ﴾ معناه : يلاين بعضكم بعضاً ويتبعه في الكفر، مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه. وقال أبو قيس بن الأسلت : الحزم والقوة خير من الإدهان والفهة والهاع وقال ابن عباس : هو المهاودة فيما لا يحل. والمداراة هي المهاودة فيما يحل، وقال ابن عباس :﴿ مدهنون ﴾ مكذبون.
وقوله عز وجل :﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله للعباد هذا بنوء كذا وكذا وهذا ب " عثانين " الأسد، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك. والمعنى : وتجعلون شكر رزقكم، كما تقول لرجل : جعلت يا فلان إحساني إليك أن تشتمني المعنى : جعلت شكر إحساني. وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان؟ بمعنى ما شكره. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرؤها :" وتجعلون شكركم إنكم تكذبون "، وكذلك قرأ ابن عباس، ورويت عن النبي ﷺ، إلا أن ابن عباس ضم التاء وفتح الكاف، وعلي رضي الله عنه : فتح التاء وسكن الكاف وخفف الذال، ومن هذا المعنى قول الشاعر :[ السريع ]
وكان شكر القوم عند المنى... كي الصحيحات وفقء الأعين