والأوّل أولى ؛ لأن أصل المدهن الذي ظاهره خلاف باطنه ؛ كأنه يشبه الدهن في سهولته.
قال المؤرج : المدهن المنافق الذي يلين جانبه ؛ ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة : التكذيب، والكفر، والنفاق، وأصله اللين، وأن يسر خلاف ما يظهر، وقال في الكشاف : مدهنون : أي : متهاونون به كمن يدهن في الأمر، أي : يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به انتهى.
قال الراغب : والإدهان في الأصل مثل التدهين ؛ لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة، وترك الجدّ : كما جعل التقريد : وهو نزع القراد عبارة عن ذلك، ويؤيد ما ذكره قول أبي قيس بن الأسلت :
الَحزْمُ والقُوّة خُيرٌ مِنَ ال... إدهان والفهَّة والهَاعِ
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ ﴾ في الكلام مضاف محذوف، كما حكاه الواحدي عن المفسرين، أي : تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون بنعمة الله، فتضعون التكذيب موضع الشكر.
وقال الهيثم : إن أزدشنوءة يقولون : ما رزق فلان، أي : ما شكر ؛ وعلى هذه اللغة لا يكون في الآية مضاف محذوف بل معنى الرزق الشكر.
ووجه التعبير بالرزق عن الشكر أن الشكر يفيض زيادة الرزق، فيكون الشكر رزقاً تعبيراً بالسبب عن المسبب، ومما يدخل تحت هذه الآية قول الكفار إذا سقاهم الله، وأنزل عليهم المطر : سقينا بنوء كذا، ومطرنا بنوء كذا.
قال الأزهري : معنى الآية : وتجعلون بدل شكركم رزقكم الذي رزقكم الله التكذيب بأنه من عند الله الرّزاق.
وقرأ عليّ وابن عباس :( وتجعلون شكركم ) وقرأ الجمهور ﴿ أنكم تكذبون ﴾ بالتشديد من التكذيب، وقرأ عليّ، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف من الكذب ﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾ أي : فهلا إذا بلغت الروح، أو النفس الحلقوم عند الموت، ولم يتقدّم لها ذكر ؛ لأن المعنى مفهوم عندهم إذا جاءوا بمثل هذه العبارة، ومنه قول حاتم طي :
أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر


الصفحة التالية
Icon