سورة الحديد مدنية كلها فيما نرى، والحديث فيها يتجه إلى الدولة والجمهور معا! فإن للمجتمع الإسلامى خاصة يعرف بها، أنه ربانى النشاط والوجهة، فمن قبل طلوع الفجر إلى ما بعد غياب الشفق، يهرع المسلمون إلى المساجد حاكمهم ومحكومهم، وتسمع صيحات الأذان فى كل حى تدعو المسلمين إلى الصلاة، وتنبه إلى حق الله فى التكبير والتمجيد، وتنزهه عما لا يليق به! إن الدولة الإسلامية وإن رفعت شعار لا إكراه فى الدين إلا أنها حريصة على طاعة الله وإنفاذ حكمه والظهور فى الميدان العالمى بأن ولاءها لله الواحد القائم بالقسط الرحيم بالخلق! فلا عجب إذا افتتحت سورة الحديد بهذا الشعار " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم * له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" إن العصر الذى نعيش فيه يوسم بأنه عصر العلم. ولا عجب، فقد استطاع الإنسان غزو الفضاء ووضع قدمه على القمر، وهو الآن يدرس كواكب أخرى من أسرة الشمس يحاول الوصول إليها. وقد جزم بأن الشمس وأفراد أسرتها حبات رمال فى فضاء زاخر بالنجوم والشموس. إن العالم ضخم كبير الحجم ذاهب فى الطول والعرض مضبوط بنظام محكم يسيطر على الزفير والشهيق فى أجسامنا، وعلى المد والجزر فى البحار والمحيطات، وعلى الكسوف والخسوف بين الكواكب، وعلى مساحات تنحسر دونها الأبصار والآلات فى ملكوت فخم مهيب يهيمن عليه رب كل شىء ومليكه " سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ". ألا يسأل المرء نفسه: هل الدجاجة خلقت البيضة التى تضعها؟ هل البقرة صنعت اللبن الذى يخرج منها؟ هل الأم أنشأت الولد الذى يتخلق فى أحشائها؟ هل الفلاح هو الذى سوى الحبوب والفواكه التى يزرعها؟ إن هذه كلها أسباب شفافة عن القدرة العليا والحكمة العليا اللتين تبدعان كل شىء " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل