قال تعالى "سابِقُوا" أيها المؤمنون وتسابقوا "إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ" ففي مثل هذا تكون المسابقة أيها النّاس وفي مثله تطلب المنافسة والتفاخر ويرغب بالتزايد والتكاثر لا في لعب الصّبيان ولهو الفتيات وزينة النساء وعذاب الأموال ووبال الأولاد، راجع الآية ١٣٣ من آل عمران المارة
فيما يتعلق بقوله تعالى (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) لأنها نظيرتها إلّا أنها مصدرة بلفظ سارعوا، وإلّا فأكثر ألفاظها تشابه هذه "ذلِكَ" الغفران والجنّة "فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ" من عباده فضلا منه "وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١" واعلم أنه يوجد في القرآن ستّ وخمسون آية مبدوءة بحرف السّين واعلموا أيها النّاس إن "ما أَصابَ" اللّه عباده وخلقه "مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ" من جدب وقلة ثمر وآفات للزروع والفروع "وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ" من الأمراض وفقد الأولاد والأموال وجمع الاكدار "إِلَّا" وهو ثابت مدون "فِي كِتابٍ" اللّه الأزلي مقصور وقوعه عليكم في الزمان والمكان "مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها" قبل خلق الأرض لأنها خلقت قبل البشر والجن وغيرهما وقبل خلق الأنفس، لأن كلّ ما هو مقدر على الخلق من المصائب مدون عليهم قبل خلقهم، وهذا يقول اللّه تعالى "إِنَّ ذلِكَ" أي إثباته في اللّوح المحفوظ قبل إيجاده للعيان مع كثرته "عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (٢٢) هين إذ لا يعسر عليه شيء، وقد أخبركم بتقدير ذلك كله "لِكَيْلا تَأْسَوْا" تحزنوا وتهتموا "عَلى ما فاتَكُمْ" من الدّنيا، لأن فواته محتم، ولا يمكنكم الحصول عليه مهما طلبتموه "وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" لأنه مقطوع بوصوله إليكم ولو لم تطلبوه، وهو لا يستوجب الفرح، لأنه فإن وأنتم فانون، وإن لم تتركوه يترككم.


الصفحة التالية
Icon