واعلم أن "لا" هنا ليست بزائدة ولم يؤت بها لتحسين الكلام فقط، بل هي نافية، لان الضّمير في قوله لا يقدرون عائد إلى الرسول وأصحابه، والتقدير هو إنما فعلنا ذكر لئلا يعتقد أهل الكتاب أنهم يقدرون على حصر فضل اللّه وإحسانه بأقوام معينين، وليعتقدوا (أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ) إلخ الآية، وهذا التأويل على هذا والتفسير به أولى من جعل لا زائدة، لأن فيها إضمار كلمة (وليعتقدوا) وفي تلك حذف كلمة (تخصيص شيء من فضل اللّه) والإضمار أوفى للمعنى من الحذف، لأن الكلام إذا افتقر للاضمار لم يوهم ظاهره باطلا أصلا، أما إذا افتقر إلى الحذف كان ظاهره موهما ذلك.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد موسى الأشعري عن النّبي صلى اللّه عليه وسلم قال مثل المسلمين واليهود والنّصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له إلى اللّيل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النّهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملناه باطل، فقال لهم اعملوا بقية يومكم لكم وخذوا أجركم كاملا، فأبوا واستأجر آخرين بعدهم، فقال اعملوا بقية يومكم لكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان صلاة العصر قالوا ما عملناه باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال أكملوا بقية يومكم فإن ما بقي من النهار يسير، فأبوا فاستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النّور اى أن اليهود والنّصارى لم ينفعهم عملهم لا متناعهم من إكماله، وإن المسلمين أكملوا عملهم الذي أمروا به ففازوا بنفعه كله في الآخرة.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ٦ صـ ٥ ـ ١٩﴾