لما أمر أولاً بالإيمان وبالإنفاق، ثم أكد في الآية المتقدمة إيجاب الإيمان أتبعه في هذه الآية بتأكيد إيجاب الإنفاق، والمعنى أنكم ستموتون فتورثون، فهلا قدمتموه في الإنفاق في طاعة الله، وتحقيقه أن المال لا بد وأن يخرج عن اليد، إما بالموت وإما بالإنفاق في سبيل الله، فإن وقع على الوجه الأول، كان أثره اللعن والمقت والعقاب، وإن وقع على الوجه الثاني، كان أثره المدح والثواب، وإذا كان لا بد من خروجه عن اليد، فكل عاقل يعلم أن خروجه عن اليد بحيث يستعقب المدح والثواب أولى منه بحيث يستعقب اللعن والعقاب.
ثم لما بين تعالى أن الإنفاق فضيلة بين أن المسابقة في الإنفاق تمام الفضيلة فقال :
﴿لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وقاتل أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
تقدير الآية : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح، ومن أنفق من بعد الفتح، كما قال :﴿لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة﴾ [ الحشر : ٢٠ ] إلا أنه حذف لوضوح الحال.
المسألة الثانية :
المراد بهذا الفتح فتح مكة، لأن إطلاق لفظ الفتح في المتعارف ينصرف إليه، قال عليه الصلاة والسلام :" لا هجرة بعد الفتح " وقال أبو مسلم : ويدل القرآن على فتح آخر بقوله :﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وأيهما كان، فقد بين الله عظم موقع الإنفاق قبل الفتح.
المسألة الثالثة :
قال الكلبي : نزلت هذه الآية في فضل أبي بكر الصديق، لأنه كان أول من أنفق المال على رسول الله في سبيل الله، قال عمر :"كنت قاعداً عند النبي ﷺ وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة خللها في صدره ؟ فقال :" أنفق ماله علي قبل الفتح "