وقوله تعالى :﴿ وهو معكم أينما كنتم ﴾ معناه بقدرته وعلمه وإحاطته. وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود، ودخل في الإجماع من يقول بأن المشتبه كله ينبغي أن يمر ويؤمن به ولا يفسر فقد أجمعوا على تأويل هذه لبيان وجوب إخراجها عن ظاهرها. قال سفيان الثوري معناه : علمه معكم، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها.
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥)
قوله تعالى :﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾ خبر يعم جميع الموجودات، و﴿ الأمور ﴾ هنا ليست جمع المصدر بل هي جميع الموجودات، لأن الأمر والشيء والوجود أسماء شائعة في جميع الموجودات أعراضها وجوهرها.
وقرأ الجمهور :" تُرجع " بضم التاء، وقرأ الأعرج والحسن وابن أبي إسحاق :" تَرجع " بفتح التاء. وقوله تعالى :﴿ يولج الليل في النهار ﴾ الآية تنبيه على العبرة فيما يتجاذبه الليل والنهار من الطول والقصر، وذلك متشعب مختلف حسب اختلاف الأقطار والأزمان الأربعة، وذلك بحر من بحار الفكرة لمن تأمله. ﴿ ويولج ﴾ معناه : يدخل. و: ﴿ ذات الصدور ﴾ ما فيها من الأسرار والمعتقدات، وذلك أغمض ما يكون. وهذا كما قالوا : الذئب مغبوط بذي بطنه، وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : إنما هو ذو بطن بنت خارجة.
قوله تعالى :﴿ آمنوا بالله ورسوله ﴾ الآية أمر للمؤمنين بالثبوت على الإيمان والنفقة في سبيل الله، ويروى أن هذه الآية نزلت في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك، قاله الضحاك، وقال : الإشارة بقوله :﴿ فالذين آمنوا وأنفقوا ﴾ إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحكمها باق يندب إلى هذه الأفعال بقية الدهر.