ولما كان المقصود أن ضربه كان في غاية السرعة، لم يوقع الفعل وأتى بالفاء ليفيد أنه كان كأنه عصاً ضربت به الأرض ضربه واحدة، فقال :﴿بسور﴾ أي جدار محيط محيل بين الجنة والنار لا يشذ عنه أحد منهم ولا يقدر أحد ممن سواهم أن يتجاوزه إليهم ﴿له باب﴾ موكل به حجاب لا يفتحون إلا لمن أذن الله له من المؤمنين بما يهديهم إليه من نورهم الذي بين أيديهم لشفاعة أو نحوها ﴿باطنه﴾ أي ذلك السور الباب وهو الذي من جهة الذين آمنوا جزاء لإيمانهم الذي هو غيب ﴿فيه الرحمة﴾ وهي ما لهم من الكرامة بالجنة التي هي ساترة ببطن من فيها بأشجارها وبأسبابها كما كانت بواطنهم ملاء رحمة ﴿وظاهره﴾ أي السور أو الباب الذي يظهر لأهل النار، مبتدئ ﴿من قبله﴾ أي تجاه ذلك الظاهر وناحيته وجهته وعنده ﴿العذاب﴾ من النار ومقدماتها لاقتصار أهله على الظواهر من غير أن يكون لهم نفوذ إلى باطن وعكس ما أرادوا من حفظ ظواهرهم في الدنيا مع فساد بواطنهم، ودل على ما أفهمه التعبير بالمضارع في " يقول " من التكرير بقوله استئنافاً :﴿ينادونهم﴾ أي المنافقون والمنافقات، يواصلون النداء وهم في الظلمة للذين آمنوا يترفقون لهم في مدة هذا القول والضرب :﴿ألم نكن﴾ أي بكليتنا ﴿معكم﴾ أي فيما كنتم فيه من الدين فنستحق المشاركة فيما صرتم إليه بسبب ذلك الدين الذين كنا معكم فيه ﴿قالوا﴾ أي الذين آمنوا ﴿بلى﴾ قد كنتم معنا ﴿ولكنكم فتنتم﴾ أي كنتم بما كان لكم من الذبذبة تختبرون ﴿أنفسكم﴾ فتخالطونها باختبار أحوال الدين مخالطة محيلة لها مميلة عما كانت عليه من أصل الفطرة من الاستقامة، تريدون بذلك أن تظهر لكم فيه أمور محسوسة لتخلصوا فيه من الشكوك فتخلصوا، فما آمنتم بالغيب فأهلكتموها وتبعتم أيضاً الأمور التي كنتم تفتنون بها من الشهوات، فأوجبتهم لكم الإعراض عن المعالي الباطنات ﴿وتربصتم﴾ أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأمهلتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو


الصفحة التالية
Icon