وفي لفظ المولى ههنا أقوال : أحدها قال ابن عباس :﴿مولاكم﴾ أي مصيركم، وتحقيقه أن المولى موضع الولي، وهو القرب، فالمعنى أن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه، والثاني : قال الكلبي : يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة، واعلم أن هذا الذي قالوه معنى وليس بتفسير للفظ، لأن لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة، لصح استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان كما يقال : هذا أولى من فلان، ويصح أن يقال : هذا أولى فلان كما يقال : هذا مولى فلان، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير، وإنما نبهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لما تسمك بإمامة علي، بقوله عليه السلام :" من كنت مولاه فعلي مولاه " قال : أحد معاني مولى أنه أولى، واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية، بأن مولى معناه أولى، وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إما بين الثبوت، ككونه ابن العم والناصر، أو بين الإنتفاء، كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً، وأما نحن فقد بينا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال به، وفي الآية وجه آخر : وهو أن معنى قوله :﴿هِيَ مولاكم﴾ أي لا مولى لكم، وذلك لأن من كانت النار مولاه فلا مولى له، كما يقال : ناصره الخذلان ومعينه البكاء، أي لا ناصر له ولا معين، وهذا الوجه متأكد بقوله تعالى :﴿وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ﴾ [ محمد : ١١ ] ومنه قوله تعالى :﴿يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل﴾ [ الكهف : ٢٩ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ١٩٤ ـ ١٩٩﴾


الصفحة التالية
Icon