قال القاضي أبو محمد : ولست أعرف مانعاً يمنع من أن يكون العامل فيه ﴿ ارجعوا ﴾، والقول لهم :﴿ فالتمسوا نوراً ﴾ هو على معنى التوبيخ لهم، أي أنكم لا تجدونه.
ثم أعلم عز وجل أنه يضرب بينهم في هذه الحال ﴿ بسور ﴾ حاجز، فيبقى المنافقون في ظلمة ويأخذهم العذاب من الله، وحكي عن ابن زيد أن هذا السور هو الأعراف المذكورفي سورة " الأعراف " وقد حكاه المهدوي، وقيل هو حاجز آخر غير ذلك، وقال عبد الله بن عمر وكعب الأحبار وعبادة بن الصامت وابن عباس : هو الجدار الشرقي في مسجد بيت المقدس. وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة على السور الشرقي من بيت المقدس فبكى وقال : من هاهنا أخبرنا النبي ﷺ أنه رأى جهنم.
قال القاضي أبو محمد : وفيه باب يسمى باب الرحمة، سماه في تفسير هذه الآية عبادة وكعب. وفي الشرق من الجدار المذكور واد يقال له : وادي جهنم، سماه في تفسير هذه الآية عبد الله بن عمر وابن عباس، وهذا القول في السور بعيد، والله أعلم وقال قتادة وابن زيد، ﴿ الرحمة ﴾ : الجنة. و﴿ العذاب ﴾ : جهنم.
والسور في اللغة الحجي الذي للمدن وهو مذكور. والسور أيضاً جمع سورة، وهي القطعة من البناء ينضاف بعضها إلى بعض حتى يتم الجدار، فهذا اسم جمع يسوغ تذكيره وتأنيثه، وهذا الجمع هو الذي أراد جرير في قوله :[ الكامل ]
لما أتى خبر الزبير تضعضعت... سور المدينة والجبال الخشع
وذلك أن المدينة لم يكن لها قط حجي، وأيضاً فإن وصفه أن جميع ما في المدينة من بناء تواضع أبلغ، ومن رأى أنه قصد قصد السور الذي هو الحجي، قال : إن ذلك إذا تواضع فغيره من المباني أحرى بالتواضع.
قال القاضي أبو محمد : فإذا كان السور في البيت محتملاً للوجهين فليس هو في قوة مر الرياح وصدر القناة وغير ذلك مما هو مذكر محض استفاد التأنيث مما أضيف إليه.


الصفحة التالية