وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى السموات والأرض ﴾
التَّسبيحُ تنزيهُ الله تعَالى اعتِقاداً وقَولاً وعملاً عمَّا لاَ يليقُ بجنابِه سُبحانَهُ منْ سبَحَ في الأرضِ والماء إذا ذهبَ وأبعدَ فيهمَا وحيثُ أُسندَ هَهُنا إلى غيرِ العُقلاءِ أيضاً فإنَّ ما في السمواتِ والأرضِ يعمُّ جميعَ ما فيهمَا سواءً كانَ مستقراً فيهما أو جُزءاً منهَما كما مرَّ في آيةِ الكرسيِّ. أُريدَ به مَعْنى عامٌّ مجازيٌّ شاملٌ لما نطقَ به لسانُ المقالِ كتسبيحِ غيرِهم فإنَّ كلَّ فردٍ من أفرادِ الموجوداتِ يدلُّ بإمكانِه وحدوثِه على الصانعِ القديمِ الواجبِ الوجودِ المُتَّصفِ بالكمالِ المُنزهِ عن النُّقصانِ وهُو المرادُ بقولِه تعالى :﴿ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ﴾ وهُو متعدَ بنفسِه كما في قولِه تعالَى : وسبِّحُوه. واللامُ إمَّا مَزيدةٌ للتأكيدِ كما في نصحتُ لَهُ وشكرتُ لَهُ أو للتعليلِ أي فَعَل التسبيحَ لأجلِ الله تعالَى وخَالِصاً لوجهِه، ومجيئُه في بعض الفواتحِ ماضياً وفي البعضِ مضارعاً للإيذانِ بتحقّقِه في جميعِ الأوقاتِ، وفيهِ تنبيهٌ على أنَّ حقَّ مَنْ شأنُه التسبيحُ الاختياريُّ أنْ يُسبِّحهُ تعالَى في جميعِ أوقاتِه كما عليهِ الملأُ الأَعلى حيثُ يُسبحونَ الليلَ والنهارَ لاَ يفترُونَ ﴿ وَهُوَ العزيز ﴾ القادرُ الغالبُ الذي لاَ يُمانعُه ولا يُنازِعُه شيءٌ ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا يفعلُ إلا ما تقتضيهِ الحكمةُ والمصلحةُ، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبلَهُ مشعرٌ بعلة الحكمِ وكَذا قولُه تعالَى :﴿ لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض ﴾ أي التصرفُ الكليُّ فيهَما وفيمَا فيهما مِنَ الموجوداتِ من حيثُ الإيجادُ والإعدامُ وسائرُ التصرفاتِ مما نعلمُه وما لا نعلمُه. وقولُه تعالَى :


الصفحة التالية
Icon