وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى السموات والأرض ﴾
أي : نزّهه ومجده.
قال المقاتلان : يعني كل شيء من ذي روح وغيره، وقد تقدّم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قوله :﴿ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السموات والأرض من العقلاء وغيرهم، والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجنّ، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم، فإن كل موجود يدل على الصانع.
وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة، وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة، فلم قال :﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ وإنما هو تسبيح مقال، واستدل بقوله :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ الجبال يُسَبّحْنَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ] فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة، وفعل التسبيح قد يتعدّى بنفسه تارة، كما في قوله :﴿ وَسَبّحُوهُ ﴾ [ الأحزاب : ٤٢ ] وباللام أخرى كهذه الآية، وأصله أن يكون متعدياً بنفسه ؛ لأن معنى سبحته : بعدته عن السوء، فإذا استعمل باللام، فهي إما مزيدة للتأكيد، كما في شكرته، وشكرت له، أو هي للتعليل، أي : افعل التسبيح ؛ لأجل الله سبحانه خالصاً له، وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضياً كهذه الفاتحة، وفي بعضها مضارعاً، وفي بعضها أمراً للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات لا يختصّ تسبيحها بوقت دون وقت، بل هي مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل، ﴿ وَهُوَ العزيز ﴾ أي : القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد، ولا يمانعه ممانع كائناً ما كان ﴿ الحكيم ﴾ الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب.


الصفحة التالية
Icon