والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق إعجاباً ﴿ أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ ﴾ يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له، وقيل : أي يجف بعد خضرته ونضارته ﴿ فترياه ﴾ يا من تصح منه الرؤية ﴿ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ﴾ بعد ما رأيته ناضراً مونقاً، وقرىء مصفاراً وإنما لم يقل فيصفر قيل : إيذاناً بأن اصفراره غير مقارن لهيجانه وإنما المترتب عليه رؤيته كذلك، وقيل : للإشارة إلى ظهور ذلك لكل أحد ﴿ ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ﴾ هشيماً متكسراً من اليبس، ومحل الكاف قيل : النصب على الحالية من الضمير في ﴿ لَعِبٌ ﴾ لأنه في معنى الوصف، وقيل : الرفع على أنه خبر بعد خبر للحياة الدنيا بتقدير المضاف إليه أي مثل الحياة كمثل الخ، ولتضمن ذلك تشبيه جميع ما فيها من السنين الكثيرة بمدة نبات غيث واحد يفنى ويضمحل في أقل من سنة جاءت الإشارة إلى سرعة زوالها وقرب اضمحلالها، وبعد ما بين حقارة أمر الدنيا تزهيداً فيها وتنفيراً عن العكوف عليها أشير إلى فخامة شأن الآخرة وعظم ما فيها من اللذات والآلام ترغيباً في تحصيل نعيمها المقيم وتحذيراً من عذابها الأليم، وقدم سبحانه ذكر العذاب فقال جل وعلا :
﴿ وَفِى الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا ﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ عظيمة ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ﴾ عظيم لا يقادر قدره، وفي مقابلة العذاب الشديد بشيئين إشارة إلى غلبة الرحمة وأنه من باب "لن يغلب عسر يسرين".
وفي ترك وصف العذاب بكونه من الله تعالى مع وصف ما بعده بذلك إشارة إلى غلبتها أيضاً ورمز إلى أن الخير هو المقصود بالقصد الأولى ﴿ وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور ﴾ لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة للآخرة ومطية لنعيمها، روي عن سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon