﴿هذا من فضل ربي ليبلوني أشكر أم أكفر﴾ [ النمل : ٤٠ ] فلا يزال خائفاً عند النقمة راجياً أثر النعمة، قائلاً في الحالين : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأكمل من هذا أن يكون مسروراً بذكر ربه له في كلتا الحالتين كما قال القائل :
سقياً لمعهدك الذي لو لم يكن...
ما كان قلبي للصبابة معهدا
وهذه صفة المتحررين من رق النفس، وقيمة الرجال إنما تعرف بالواردات المغيرة، فمن لم تغيره المضار ولم يتأثر بالمسار فهو سيد وقته، أشار إليه القشيري.
ولما كان الإمعان في استجلاب الأسى إنما هو من اليأس ونسيان النعم وزيادة الفرح الموصل إلى المرح إنما يجره الكبر والمرح، وكان في أوصاف أهل الدنيا التفاخر، قال تعالى مبيناً أن المنهي عنه سابقاً التمادي مع الجبلة في الحزن والفرح، عاطفاً على ما تقديره :﴿فإن الله لا يحب كل يؤوس كفور﴾ ﴿والله لا يحب﴾ أي لا يفعل فعل المحب بأن يكرم ﴿كل مختال﴾ أي متكبر نظر إلى ما في يده في الدنيا ﴿فخور﴾ قال القشيري : الاختيال من بقايا النفس ورؤيتها، والفخر من رؤية خطر ما به يفتخر.
ولما كان من جملة صفات المختال المكاثر بالمال البخل، وكان قد تقدم الحث على الإنفاق، وكان ما يوجبه لذة الفخار والاختيال التي أوصل إليها المال حاملة على البخل خوفاً من الإقتار الموجب عند أهل الدنيا للصغار، قال تعالى واصفاً للمختال أو ﴿لكل﴾ :﴿الذين يبخلون﴾ أي يوجدون هذه الحقيقة مع الاستمرار ﴿ويأمرون الناس﴾ أي كل من يعرفونه ﴿بالبخل﴾ إرادة أن يكون لهم رفقاء يعملون بأعمالهم الخبيثة فيحامون عنهم أو أنهم يوجبون بأعمالهم من التكبر والبطر في الأموال التي حصلها لهم البخل استدراجاً من الله لهم بخل غيرهم لأنه إذا رآهم عظموا بالمال بخل ليكثر ماله ويعظم، وذلك كله نتيجة فرحهم بالموجود وبطرهم عند إصابته، فكانوا آمرين بالبخل لكونهم أسباباً له والسبب كالآمر في إيجاد شيء.


الصفحة التالية
Icon