احتج جمهور الأصحاب بهذا على أن الجنة مخلوقة، وقالت المعتزلة هذه الآية : لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجهين : الأول : أن قوله تعالى :﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ [ الرعد : ٣٥ ] يدل على أن من صفتها بعد وجودها أن لا تفنى، لكنها لو كانت الآن موجودة لفنيت بدليل قوله تعالى :﴿كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [ القصص : ٨٨ ] الثاني : أن الجنة مخلوقة وهي الآن في السماء السابعة، ولا يجوز مع أنها في واحدة منها أن يكون عرضها كعرض كل السموات، قالوا : فثبت بهذين الوجهين أنه لا بد من التأويل، وذلك من وجهين : الأول : أنه تعالى لما كان قادراً لا يصح المنع عليه، وكان حكيماً لا يصح الخلف في وعده، ثم إنه تعالى وعد على الطاعة بالجنة، فكانت الجنة كالمعدة المهيأة لهم تشبيهاً لما سيقع قطعاً بالواقع، وقد يقول المرء لصاحبه :( أعدت لك المكافأة ) إذا عزم عليها، وإن لم يوجدها، والثاني : أن المراد إذا كانت الآخرة أعدها الله تعالى لهم كقوله تعالى :
﴿ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة﴾ [ الأعراف : ٥٠ ] أي إذا كان يوم القيامة نادى الجواب : أن قوله :﴿كُلُّ شَيْء هَالِكٌ﴾ عام، وقوله :﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ مع قوله :﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ خاص، والخاص مقدم على العام، وأما قوله ثانياً : الجنة مخلوقة في السماء السابعة قلنا : إنها مخلوقة فوق السماء السابعة على ما قال عليه السلام في صفة الجنة :" سقفها عرش الرحمن " وأي استبعاد في أن يكون المخلوق فوق الشيء أعظم منه، أليس أن العرش أعظم المخلوقات، مع أنه مخلوق فوق السماء السابعة.
المسألة الثانية :