قوله :﴿أعدت للذين آمنوا بالله ورسله﴾ فيه أعظم رجاء وأقوى أمل، إذ ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسله ؛ ولم يذكر مع الإيمان شيئاً آخر، والمعتزلة وإن زعموا أن لفظ الإيمان يفيد جملة الطاعات بحكم تصرف الشرع، لكنهم اعترفوا بأن لفظ الإيمان إذا عدي بحرف الباء، فإنه باق على مفهومه الأصلي وهو التصديق، فالآية حجة عليهم، ومما يتأكد به ما ذكرناه قوله بعد هذه الآية :﴿ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ يعني أن الجنة فضل لا معاملة، فهو يؤتيها من يشاء من عباده سواء أطاع أو عصى، فإن قيل : فيلزمكم أن تقطعوا بحصول الجنة لجميع العصاة، وأن تقطعوا بأنه لا عقاب لهم ؟ قلنا : نقطع بحصول الجنة لهم، ولا نقطع بنفي العقاب عنهم، لأنهم إذا عذبوا مدة ثم نقلوا إلى الجنة وبقوا فيها أبد الآباد، فقد كانت الجنة معدة لهم، فإن قيل : فالمرتد قد آمن بالله، فوجب أن يدخل تحت الآية قلت : خص من العموم، فيبقى العموم حجة فيما عداه.
ثم قال تعالى :﴿ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ زعم جمهور أصحابنا أن نعيم الجنة تفضل محض لا أنه مستحق بالعمل، وهذا أيضاً قول الكعبي من المعتزلة، واحتجوا على صحة هذا المذهب بهذه الآية، أجاب القاضي عنه فقال : هذا إنما يلزم لو امتنع بين كون الجنة مستحقة وبين كونها فضلاً من الله تعالى، فأما إذا صح اجتماع الصفتين فلا يصح هذا الاستدلال، وإنما قلنا : إنه لا منافاة بين هذين الوصفين، لأنه تعالى هو المتفضل بالأمور التي يتمكن المكلف معها من كسب هذا الاستحقاق، فلما كان تعالى متفضلاً بما يكسب أسباب هذا الاستحقاق كان متفضلاً بها، قال : ولما ثبت أن قوله :﴿يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ﴾ لا بد وأن يكون مشروطاً بما يستحقه، ولولا ذلك لم يكن لقوله من قبل :﴿سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ﴾ معنى.