وتقدم معنى ﴿ يضاعف لهم ولهم أجر كريم ﴾ في قوله :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له ﴾ [ الحديد : ١١ ] الآية.
﴿ والذين ءَامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ أولئك هُمُ الصديقون ﴾
لما ذكر فضل المتصدقين وكان من المؤمنين من لا مال له ليتصدق منه أعقب ذكر المتصدقين ببيان فضل المؤمنين مطلقاً، وهو شامل لمن يستطيع أن يتصدق ومن لا يستطيع على نحو التذكير المتقدم آنفاً في قوله :﴿ وكلاًّ وعد الله الحسنى ﴾ [ النساء : ٩٥ ].
وفي الحديث :"إن قوماً من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدُثور بالأجور يصلّون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ولا أموال لنا، فقال : أوليس قد جعل الله لكم ما تصدَّقون به، إن لكم في كل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة".
و﴿ الذين آمنوا ﴾ يعم كل من ثبت له مضمون هذه الصلة وما عطف عليها.
وفي جمع ﴿ ورسله ﴾ تعريض بأهل الكتاب الذين قالوا : نؤمن ببعض ونكفر ببعض، فاليهود آمنوا بالله وبموسى، وكفروا بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى آمنوا بالله وكفروا بمحمد ﷺ والمؤمنون آمنوا برسل الله كلهم، ولذلك وصفوا بأنهم الصدّيقون.
والصدّيق بتشديد الدال مبالغة في المُصَدِّق مثل المسِّيك للشحيح، أي كثير الإِمساك لماله، والأكثر أن يشتق هذا الوزن من الثلاثي مثل : الضلّيل، وقد يشتق من المزيد، وذلك أن الصيغ القليلة الاستعمال يتوسعون فيها كما توسع في السّميع بمعنى المُسْمِع في بيت عمرو بن معد يكرب، والحكيم بمعنى المحكم في أسماء الله تعالى، وإنما وصفوا بأنهم صدّيقون لأنهم صدّقوا جميع الرسل الحقِّ ولم تمنعهم عن ذلك عصبية ولا عناد، وقد تقدم في سورة يوسف وصفه بالصدّيق ووصفت مريم بالصدّيقة في سورة العقود.


الصفحة التالية
Icon