وقوله تعالى :﴿ والشهداء عند ربهم ﴾ اختلف الناس في تأويل ذلك، فقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة :﴿ والشهداء ﴾ معطوف على قوله :﴿ الصديقون ﴾ والكلام متصل. ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال، فقال بعضها : وصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء، فكل مؤمن شهيد، قاله مجاهد. وروى البراء بن عازب أن النبي ﷺ قال :" مؤمنو أمتي شهداء "، وتلا رسول الله ﷺ هذه الآية، وإنما خص رسول الله ﷺ ذكر الشهداء السبعة تشريفاً، ولأنهم في أعلى رتب الشهادة، ألا ترى أن المقتول في سبيل الله مخصوص أيضاً من السبعة بتشريف ينفرد به. وقال بعضها : وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء لكن من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد، وذلك نحو قوله تعالى :
﴿ لتكونوا شهداء على الناس ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] فكأنه قال في هذه الآية : هم أهل الصدق والشهادة على الأمم عند ربهم، وقال ابن عباس ومسروق والضحاك : الكلام تام في قوله :﴿ الصديقون ﴾. وقوله :﴿ والشهداء ﴾ ابتداء مستأنف.
ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاستئناف، فقال بعضها معنى الآية :﴿ والشهداء ﴾ بأنهم صديقون حاضرون ﴿ عند ربهم ﴾. وعنى ب ﴿ الشهداء ﴾ : الأنبياء عليهم السلام، فكأن الأنبياء يشهدون للمؤمنين بأنهم صديقون، وهذا يفسره قوله تعالى :﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ]. وقال بعضها قوله :﴿ والشهيد ﴾ ابتداء يريد به الشهداء في سبيل الله، واستأنف الخبر عنهم بأنهم :﴿ عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ﴾ فكأنه جعلهم صنفاً مذكوراً وحده، وفي الحديث :" إن أهل الجنة العليا ليراهم من دونهم كما ترون الكوكب الدري، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ".