وقوله تعالى :﴿ لهم أجرهم ونورهم ﴾ خبر عن الشهداء فقط على الأخير من الأقوال، وهو خبر عن المؤمنين المذكورين في أول الآية على الأقوال الثلاثة.
وقوله تعالى :﴿ ونورهم ﴾ قال جمهور المفسرين : هو حقيقة حسبما روي مما تقدم ذكره في هذه السورة. وقال مجاهد وغيره : هو مجاز عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى التي حصلوا فيها.
ولما فرع ذكر المؤمنين وأهل الكرامة، عقب ذكر الكفرة المكذبين ليبين الفرق، فذكرهم تعالى بأنهم ﴿ أصحاب الجحيم ﴾ وسكانه.
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ
هذه الآية وعظ وتبيين لأمر الدنيا وضعة منزلتها و: ﴿ إنما ﴾ سادة مسد المفعولين للعلم بأنها تدخل على اثنين وهي وإن كفت عن العمل، فالجملة بعدها باقية. و: ﴿ الحياة الدنيا ﴾ في هذه الآية عبارة عن الأشغال والتصرفات والفكر التي هي مختصة بالحياة الدنيا، وأما ما كان من ذلك في طاعة الله وسبيله وما كان من الضرورات التي تقيم الأود وتعين على الطاعات فلا مدخل له في هذه الآية. وتأمل حال الملوك بعد فقرهم بين لك أن جميع نزوتهم ﴿ لعب ولهو ﴾. والزينة : التحسين الذي هو خارج من ذات الشيء، والتفاخر : هو بالأنساب والأموال وغير ذلك والتكاثر : هو الرغبة في الدنيا، وعددها لتكون العزة للكفار على المذهب الجاهلي.
ثم ضرب تعالى مثل الدنيا، فالكاف في قوله :﴿ كمثل ﴾ في رفع صفة لما تقدم، وصورة هذا المثال : أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك فيشب ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس، ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط، فيشيب ويضعف ويسقم، وتصيبه النوائب في ماله وذريته، ويموت ويضمحل أمره، وتصير أمواله لغيره، وتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضاً فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق. ثم هاج : أي يبس واصفر، ثم تحطم، ثم تفرق بالرياح واضمحل.