وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ ﴾
أي آمنوا بموسى وعيسى ﴿ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ ﴾ بمحمد ﷺ ﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وهذا مثل قوله تعالى :﴿ أولئك يُؤْتَونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ [ القصص : ٥٤ ] وقد تقدم القول فيه.
والكِفل الحظ والنصيب وقد مضى في "النساء" وهو في الأصل كِساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط ؛ قاله ابن جريج.
ونحوه قال الأزهري، قال : اشتقاقه من الكِساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط ؛ فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكِفل الراكب.
وقال أبو موسى الأشعري :﴿ كِفْلَيْنِ ﴾ ضعفين بلسان الحبشة.
وعن ابن زيد :"كِفْلَيْن" أجر الدنيا والآخرة.
وقيل : لما نزلت ﴿ أولئك يُؤْتَونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبيّ ﷺ فنزلت هذه الآية.
وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحسنة إنما لها من الأجر مِثْل واحد ؛ فقال : الحسنة اسم عام ينطلق على كل نوع من الإيمان، وينطلق على عمومه، فإذا انطلقت الحسنة على نوع واحد فليس له عليها من الثواب إلا مِثْل واحد.
وإن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين كان الثواب عليها مثلين ؛ بدليل هذه الآية فإنه قال :﴿ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾ والكفل النصيب كالمثل، فجعل لمن اتقى الله وآمن برسوله نصيبين ؛ نصيباً لتقوى الله ونصيباً لإيمانه برسوله.
فدل على أن الحسنة التي جعل لها عشر هي التي جمعت عشرة أنواع من الحسنات، وهو الإيمان الذي جمع الله تعالى في صفته عشرة أنواع، لقوله تعالى :﴿ إِنَّ المسلمين والمسلمات ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ] الآية بكمالها.